كانت تلك سنته تعالى في الخلق لما اقتتلوا، ولكن جعلهم درجات في الفهم والفكر، فكان اختلافهم في الرأي والمصالح، مع عدم عذر بعضهم بعضا، مؤديا إلى الاقتتال بين بعضهم البعض.
٢٥٤ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكُمْ﴾ بعد قصّة داود وطالوت، يعود القرآن الكريم إلى موضوع الآية التي سبقت هذا الشرح ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ (٢٤٥)، ويلاحظ في قوله ﴿مِمّا رَزَقْناكُمْ﴾ أنّه لا يطلب من المؤمنين إلاّ بعض ما جعلهم مستخلفين فيه، والعبرة في الآية أنّ من اتّبعوا طريق الإيمان الصحيح يجب أن يكونوا مستعدّين للتضحية المالية في سبيل ذلك ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ﴾ حيث لا تقدرون يومئذ على ابتياع شيء بأموالكم ﴿وَلا خُلَّةٌ﴾ الخلّة من الخليل وهو الصديق، والمعنى أن خليل المرء، إن كان ينفعه في الدنيا، فلا يقدر على شيء في الآخرة ﴿وَلا شَفاعَةٌ﴾ لا شافع يشفع لهم عند الله كما كان بعضهم يشفع لبعض في الدنيا ﴿وَالْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ الكافرون في هذا المجال هم الذين يعتبرون ممتلكاتهم الشخصية لديهم أعز من رضا الله، أو من يظنون أنهم رغم شحّهم وإحجامهم عن التضحية فسوف لن يحاسبوا على ذلك يوم القيامة فيغفر لهم بشفاعة غيرهم، والظلم والكفر يتواردان في القرآن على المعنى الواحد فيطلقان تارة على ما يتعلق بالعقيدة وتارة على ما يتعلق بالعمل.