أمّا في حال عدم الوقف بعد لفظ الجلالة فتكون الواو للعطف، فالراسخون في هذه الحالة يعلمون تأويله وهذا يصح عندما يكون المراد من التأويل التفسير ومعرفة المعاني، لأنّه تعالى أمر بتدبّر القرآن كلّه المحكم منه والمتشابه ولم يستثن منه شيئا، فوجب أن يكون القرآن كلّه مفهوما، ولو اشتبه منه شيء على بعض الناس علمه غيرهم، ولا يمنع ذلك من التفسير على عدة وجوه، وقد نقل عن أبي الدرداء قوله:«إنك لا تفقه القرآن كلّ الفقه حتى ترى للقرآن وجوها»، فالمتشابه قد يحتمل عدّة معان وينطبق على عدة حالات ﴿وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ لا يعقل ذلك ويفقه حكمته إلاّ أصحاب العقول النيّرة، ويلاحظ أيضا أن تعبير أولي الألباب ورد أيضا في آخر هذه السورة بالآية (١٩٠) بمعنى أن أولي الألباب المتفكّرين في خلق السماوات والأرض يتوصلون إلى الإيمان عن طريق العقل.
٨ - ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ﴾ أولوا الألباب يخشون أن تميل قلوبهم عن الحق، فيدعون ربهم قائلين:
ربّنا لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق بأن نتأوّل الآيات المتشابهات على غير ما ترضى كما يفعل المذكورون في الآية السابقة من الذين في قلوبهم زيغ، ولا تبلينا بالمصائب فتزيغ قلوبنا.
﴿رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾ (٩)
٩ - ﴿رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ هو يوم القيامة ونحن موقنون به لا نشك فيه: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾.