تناقلته، والمعنى أن أيام الدنيا تتبدل بين الناس فلا تدوم المسرّات ولا المضارّ، وقد يشدد تعالى المحنة على الكفار تارة وعلى المؤمنين تارة أخرى وفق سننه الكونية، ولو أنه تعالى شدد المحنة على الكفار في جميع الأحوال، وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات، لحصل العلم الاضطراري بأن الإيمان حق وما سواه باطل، فيحصل ما يشبه القسر ويبطل التكليف والثواب والعقاب، كما أن تشديد المحنة على المؤمنين في بعض الأوقات يكون تأديبا لهم وتعليما، وأما تشديد المحنة على الكفار فيكون غضبا منه تعالى عليهم، ولذّات الدنيا فانية على أية حال، ولا يدري الإنسان الحكمة من الخطة الإلهية ولا يحيط إلا بجوانب طفيفة منها في أحسن الأحوال، ولا بدّ أنّ ظفر الكفار المؤقت يحمل في طيّاته بذور هلاكهم ﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي لإظهار علمه تعالى واقعا من عباده، لأن الثواب والعقاب هو على الواقع، وليس على المعلوم الذي لم يقع ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ﴾ يكرم بعضكم بالشهادة، أو يكون ذلك كقوله تعالى:
﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ﴾ [البقرة: ٢/ ١٤٣]، فيكون المعنى أن يختار منكم من يكون قدوة للناس ﴿وَاللهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾ أي إن استشهاد بعضكم ليس معناه أن الله يحب الظالمين، ولكن لحب الله لكم.
١٤١ - ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ المحص في اللغة هو التنقية، فالمقصود هو تطهير المؤمنين من ذنوبهم ﴿وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ﴾ المحق هو النقصان والإبطال والمحو، ويقال محقه الله أي ذهب ببركته، قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا﴾ [البقرة:
٢/ ٢٧٦]، فيكون المعنى أنّه تعالى يمحق سلطان الكافرين، وذلك أنهم إذا ظفروا وبغوا وأفسدوا واشتدّ اعتدادهم بأنفسهم كان في ذلك بذور هلاكهم، وهو معنى قوله تعالى في الآية السابقة أن الأيام دول.