للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النظم في السورة]

﴿الخطاب لكل عاقل: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ (١)، والمقصود بالدين:

القيامة والحساب وهو أحد معانيه، ومنه الحديث: "كما تدين تدان"، فيكون المعنى أرأيت الذي يكذّب بالحساب والجزاء؟ لأن الأصل في الشرور إنكار الحساب، وقد يأتي بالأفعال الحميدة حتى من ينكر الإسلام إذا كان مقرّا بالقيامة والحساب،

ثم بيّن تعالى - على سبيل المثال - صفتين من صفات الذي يكذّب بالدين، الأولى أنه يدفع اليتيم بعنف وجفاء عن حقه وماله، أو يعنّفه ولا يعينه: ﴿فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ (٢) وهذه الصفة من باب الفعل،

أما الصفة الثانية فهي من باب الإهمال والترك إذ يترك الحض على طعام المسكين: ﴿وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ﴾ (٣) أي لا هو يطعمه ولا يحض غيره على إطعامه، وقوله ﴿طَعامِ الْمِسْكِينِ﴾ إشارة لأنّ ذلك الطعام حقّ للمسكين فلا يجوز الامتنان به، والخلاصة أنّ السورة تجعل تكذيب المرء بالقيامة والحساب سببا لإقدامه على إيذاء الضعيف ومنع المعروف،

ثمّ إن من ينكر القيامة والحساب قد يؤدي الصلاة نفاقا ورياء: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ (٤) أي المنافقين منهم الذين يؤذون الضعفاء ويمنعون المعروف:

﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ (٥)

لأنّ صلاتهم لا تأمرهم بالمعروف ولا تنهاهم عن المنكر: ﴿الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ * وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ﴾ (٦ - ٧) فليس فقط أنهم يصلّون رئاء الناس، بل إنهم لخسّتهم ولؤمهم يمنعون أقل قدر من المعونة عن الغير، والفرق بين المنافق والمرائي أن المنافق يظهر الإيمان ويبطن الكفر، والمرائي يظهر ما ليس في قلبه من خشوع ليعتقد من يراه أنه متديّن.

<<  <  ج: ص:  >  >>