بالتحريم والتحليل ولو كان في أصل الشريعة ما يخالفها، وهو سبب عقوبته تعالى لهم، وهي معنى قوله ﴿جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ﴾ والجزاء من سنن الله في خلقه بأنه من يسلك طريق الضلال يقع في عاقبة عمله، وبما أن الله تعالى سنّ قوانين الطبيعة بأكملها فهو ينسب التحريم وما يترتب عليه من معاناتهم إلى ذاته العليّة، وقد ذكر محمد أسد في (رسالة القرآن) أن تحريم الطيبات على اليهود ليس مقتصرا على الطعام وإنما كناية عن وقوعهم تحت قهر الأمم وتشريدهم في الأرض بعد أن صدّوا عن سبيل الله كثيرا وقتلوا الأنبياء وتآمروا على قتل المسيح، ثم تآمروا على قتل النبي ﷺ.
١٤٧ - ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ﴾ أي المشركون أو اليهود إن كذّبوك في النبوة، وفي التحليل والتحريم ﴿فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ﴾ فلا يعجل عليكم بالعقوبة، ويمهلكم لحصول التوبة ﴿وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ المصرّين على المعصية، فالعذاب واقع بهم لا محالة.
١٤٨ - ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا﴾ يدّعون الجبرية، وهذه هي الحجة الأخيرة - ذكرها تعالى بصيغة المستقبل - التي يلوذ بها المصرّون على الشرك، والمكابرون في إنكار النبوّة، والذين يحكمون في الدين بغير حجة ولا دليل، ويحرّمون ويحلّون ويبتدعون الشرائع من عند أنفسهم، فإذا تبيّن لهم الحق وأيقنوا أنهم على الباطل لم يذعنوا ولم يقرّوا، بل يزعمون أنهم مجبرون، مسيّرون وفق المشيئة الإلهية، وأنه تعالى لو لم يكن راضيا بما هم عليه من العقيدة لما تركهم على ما هم عليه ﴿وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ﴾ أي لو شاء الله ما