للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٨ - بعد أن ذكر تعالى في الآية السابقة أن بذخ الكفار ذهب بمقدرتهم على التفكير السليم، حذّر المؤمنين أن يتّخذوهم بطانة لهم ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً﴾ بطانة المرء هم الذين يخصّهم بمزيد من التقريب ويشاورهم في خصوصياته فيعرفون بواطن أموره ويدخلون فيها وشبّهوا ببطانة الثوب لقربها من البدن ﴿مِنْ دُونِكُمْ﴾ أي من الذين عرفتم فيهم الكراهية والغش للإسلام والمسلمين مما هو ظاهر من أفعالهم وأقوالهم، بدليل تتمة الآية ﴿لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً﴾ الخبال هو الفساد، والمعنى لا يقصّرون ولا يدعون أي جهد في إفسادكم ﴿وَدُّوا ما عَنِتُّمْ﴾ العنت هو المشقة وشدة الضرر وهو ما يودّونه للمسلمين ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ﴾ يصرّحون ببغضكم علنا، أو يظهر ذلك في كلامهم ضمنيا ﴿وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ ما تخفي صدورهم من بغضكم أكبر مما يبدونه بأقوالهم ﴿قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ﴾ بيّنا لكم العلامات، ومن يصحّ أن يتخذ بطانة ومن لا يصح ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ إن كنتم مدركين لمصالحكم، وفي ذلك عودة لموضوع الآية (٢٨) والآية (١٠٠).

غير أن هذه الآية لا تقتضي منع مصاحبة الكفار إطلاقا لقوله تعالى: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: ٦٠/ ٨ - ٩]، ولو قيل كيف الجمع بينهما؟ فالجواب أن الخاص مقدّم على العام، أي إن الحالة الخاصة مقدّمة على المبدأ العام.

﴿ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ (١١٩)

١١٩ - ﴿ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ﴾ وهو دليل على أثر الإسلام في نفوس المسلمين لأن الإسلام دين رحمة وتساهل وتسامح ﴿وَلا يُحِبُّونَكُمْ﴾ بل

<<  <  ج: ص:  >  >>