للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿مَعَ الْكافِرِينَ﴾ في العقيدة، وهو نهي عن مشايعة الكافرين، والمغزى أن الدخول في غمارهم يوجب الغرق،

﴿قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ (٤٣)

٤٣ - ﴿قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ﴾ ألجأ إلى جبل عال ﴿يَعْصِمُنِي﴾ يحفظني بارتفاعه ﴿مِنَ الْماءِ﴾ فلا يصل الطوفان إليّ، قال ذلك ظنّا منه أن ارتفاع الماء أمر معتاد يحصل وقت السيول فيمكن الاتقاء منه بالصعود إلى جبل من الجبال دونما حاجة لركوب السفينة، جهلا منه أنّ الطوفان كان لإهلاك الكفرة فلا بدّ أن يدركهم أينما كانوا ﴿قالَ﴾ له أبوه مبيّنا له حقيقة الحال ﴿لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ﴾ للمبالغة في نفي كون الجبل أو غير الجبل عاصما للكفار من وقوع الواقعة، وقوله ﴿الْيَوْمَ﴾ للتنبيه على أنه ليس كسائر الأيام التي ربما تكون فيها النجاة بالالتجاء للأسباب العادية ﴿إِلاّ مَنْ رَحِمَ﴾ وهو الله سبحانه، إشعارا بعلية رحمته وسبقها غضبه، وتعظيما له جلّ شأنه ﴿وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ﴾ بين نوح وبين ابنه فانقطع الحوار بينهما ﴿فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ مع سائر الكفرة الذين أغرقوا.

﴿وَقِيلَ يا أَرْضُ اِبْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاِسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ (٤٤)

٤٤ - ﴿وَقِيلَ يا أَرْضُ اِبْلَعِي ماءَكِ﴾ على سبيل المجاز عن الإرادة العليا وتمثيلا لكمال قدرته تعالى وانقياد العقلاء وغير العقلاء لأمره وتدبيره، والمراد من بلع الأرض للماء جفافها ﴿وَيا سَماءُ أَقْلِعِي﴾ كفّي عن الإمطار، فما هي إلاّ أن قيل كن، فكان ﴿وَغِيضَ الْماءُ﴾ غار في الأرض ونضب ﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ بنجاة المؤمنين وهلاك الكافرين إشعارا بأن لا دافع لقضائه ولا مانع من نفاذ حكمه ﴿وَاِسْتَوَتْ﴾ استقرّت السفينة ﴿عَلَى الْجُودِيِّ﴾ الجبل المعروف بالجوديّ الواقع قرب بحيرة فان - في أقصى الشرق من تركية اليوم - على بعد حوالي أربعين

<<  <  ج: ص:  >  >>