للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً﴾ ليقطعن به ما يأكلن من لحم وفاكهة، والظاهر أنها تعمدّت أن تكون السكاكين مشحوذة أكثر مما ينبغي ﴿وَقالَتِ﴾ ليوسف، وهنّ مشغولات بالتقطيع بالسكاكين ﴿اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾ إذ كان في غرفة داخلية محجوبا عنهنّ، ولو كان في مكان خارج لقالت: ادخل عليهنّ، وهكذا تعمدّت أن يفاجئهنّ وهنّ مشغولات بما يقطّعنه من اللحم أو الفاكهة، وما يكون لهذه المفاجأة من شدة الدهشة والذهول: ﴿فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ أعظمنه لشدة دهشتهنّ من جماله، أو لما رأين على وجهه من نور الهيبة ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ بدلا من تقطيع ما يأكلن ذهولا عمّا يعملن، والمعنى أنهنّ جرحن أيديهن بلا شعور منهنّ، ولما تملّكهنّ من الدهشة حتى أصبحت حركة الأيدي غير اختيارية فلم يشعرن بألم، وقد يكون كناية عن دهشتهنّ وذهولهنّ واستغراقهنّ في نوره ﴿وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ﴾ تنزيها لله سبحانه عن صفات التقصير والعجز وتعجبا من قدرته جلّ وعلا على مثل ذلك الخلق البديع ﴿ما هذا بَشَراً﴾ ما هكذا يكون البشر، نفين عنه البشرية إعظاما له ﴿إِنْ هذا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ إذ لم يلتفت إليهنّ البتة، وقد رأين عليه مهابة النبوة وهيئة الملكية.

﴿قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصّاغِرِينَ﴾ (٣٢)

٣٢ - ﴿قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ أي ذلك هو واقع الحال الباهر الذي لم يكن في تصوّركن، ممّا أدّى بكنّ إلى ملامتي دون معرفة، ثمّ بعد أن أبدت عذرها في شدة عشقها ليوسف باحت ببقية سرّها بعد أن أقامت عليهنّ الحجّة: ﴿وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ وهو إقرار منها ببراءته وعفّته، والاستعصام دلالة على شدة المبالغة في الامتناع والتحفظ، أي طلب العصمة وتمسك بها عاصيا أمري ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ﴾ به فيما سيأتي، إصرارا منها على رغبتها فيه ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصّاغِرِينَ﴾ أضافت على تهديدها بسجنه أن تجعله من الصاغرين، والصغار ضد الكبر، والمعنى أن تجعله في السجن من الأذلة المقهورين، وهو ما تأباه الأنفس الكبيرة، فاحتقار النفس أشقّ على

<<  <  ج: ص:  >  >>