عليه، لأنه تحريم ما أحل الله واستحلال ما حرّم، وذلك كفر ضمّوه إلى ما هم عليه من الكفر أصلا ﴿يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إضلالا فوق ضلالهم، والذين يقومون بالإضلال هم الزعماء والرؤساء لأن العوام تأتمر بأمرهم ﴿يُحِلُّونَهُ﴾ أي الشهر المؤخّر ﴿عاماً﴾ من الأعوام، ويحرّمون مكانه شهرا آخر ليس حراما، إذا تطلبت مصلحتهم ﴿وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً﴾ يتركونه على حرمته في عام آخر، حسب هواهم ﴿لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ﴾ وهي الأشهر الأربعة، أي إنهم كلّما أحلّوا شهرا حراما حرّموا مكانه شهرا من الحلال، وكلّما حرّموا شهرا من الحلال أحلّوا مكانه شهرا من الحرام، لأجل أن يبقى عدد الأشهر الحرم أربعة، ولو اضطرهم ذلك إلى زيادة عدد شهور السنة وهذا هو معنى المواطأة، أي أنهم يتواطؤون على ذلك، ويقال تواطأ القوم إذا أجمعوا على شيء، فكأن كلّ منهم يطأ حيث يطأ صاحبه ﴿فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ﴾ من الأشهر الحرم ﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ﴾ وهو كقوله تعالى ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ﴾ [الأنفال ٤٨/ ٨]، ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ﴾ لأن الكافرين مصرّون على اتباع أهوائهم ومصالحهم الدنيوية العاجلة وما يزيّنه الشيطان لهم.
٣٨ - بعد أن أعلنت السورة البراءة من المشركين يوم الحج الأكبر إثر عودة النبي ﷺ والمؤمنين من غزوة تبوك، وبينت موقف الإسلام من مشركي جزيرة العرب وخارجها، وشرحت معايب وجهالات المشركين وأهل الكتاب، أكملت في هذه الآية وما يليها التأكيد على المواقف العملية التي يترتب على المسلمين اتخاذها تجاه ذلك، وضربت مثلا بغزوة تبوك، لأنّ الخطاب من هنا إلى آخر السورة في غزوة تبوك، لبيان ما ظهر خلالها من أصناف المنافقين وقبائحهم وجهالاتهم، ممّا هو عام في المنافقين في كل الأزمنة: