للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومبادئها حتى لو كانت على الحق، وأنه تعالى يجعل رسالته في الأمم الجديرة بحملها، ولأن النصر لو كان حتميا لأصحاب الحق، دون عمل وجهاد منهم، لصار الإيمان قسريّا ولبطل التكليف والاختبار ﴿وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً﴾ لأنه تعالى غنيّ عن العالمين، وهو القاهر فوق عباده، وقيل الضمير يعود للنبي أي لا تضرّوا النبي شيئا لأن الله كفل له النصر ﴿وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فلا يتحقق شيء إلاّ بمشيئته.

﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (٤٠)

٤٠ - ﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إن لا تنصروا الرسول، بتقاعسكم عن النفير لقتال الروم، فسينصره من نصره عندما اضطره المشركون للهجرة من مكة، بعد أن قلّبوا احتمالات التخلص منه بالحبس أو القتل أو الإخراج [الأنفال ٣٠/ ٨]، ولم يكن معه وقتئذ جيش ولا أنصار، بل حال كونه ﴿ثانِيَ اِثْنَيْنِ﴾ لم يكن معه إلاّ رجل واحد، وهو أبو بكر الصدّيق، ويقال فلان ثاني اثنين أي هو أحدهما ﴿إِذْ هُما فِي الْغارِ﴾ وهو الغار الذي لجآ إليه في جبل ثور على مقربة من مكة في طريق هجرته إلى المدينة ﴿إِذْ يَقُولُ﴾ النبي ﴿لِصاحِبِهِ﴾ أبي بكر ﴿لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا﴾ بالعصمة والمعونة، فهي معيّة مخصوصة، وإلاّ فهو تعالى مع كل واحد من خلقه، وذلك بعد أن خشي أبو بكر من إدراك المشركين لهما في الغار، فقال له النبي : "يا أبا بكر، ما ظنّك باثنين الله تعالى ثالثهما"؟ ﴿فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ وهي الطمأنينة التي تسكن بها القلوب، قال الألوسي: أنزلت السكينة على النبي لتسكين قلب الصدّيق، فكأنه قيل: أنزل سكينة النبي على صاحبه، فالضمير في ﴿سَكِينَتَهُ﴾ يعود إلى النبي، والضمير في ﴿عَلَيْهِ﴾ يعود إلى الصدّيق ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها﴾ إذ خرجت قريش في طلب النبي رجالا وركبانا وكانوا على إدراكه قاب قوسين أو أدنى فرجعوا صفر الأكفّ ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وهي كلمة

<<  <  ج: ص:  >  >>