﴿وَهُمْ لا يَتَّقُونَ﴾ أي لا يتّقون عواقب غدرهم ونقضهم العهود، ولا يتقون عواقب إصرارهم على الكفر.
ويلاحظ أن قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ دليل على أن الخيانة ونقض العهود سمة متأصلة عند اليهود عامة، وغير مقتصرة على يهود المدينة والحجاز وقت البعثة الإسلامية، ولا تزال فيهم إلى يومنا هذا، راجع شرح آية [البقرة ٤٤/ ٢]، ولذلك وبعد إصرار الكفار من أهل الكتاب على الكفر، بل على محاربة الإسلام، أمر النبي ﷺ بإجلاء اليهود والنصارى عن جزيرة العرب، إذ يخشى من إحياء عباداتهم ومعابدهم وطقوسهم وشركهم إذا هم أقاموا فيها، روى أحمد من حديث أبي عبيدة عامر بن الجراح قال آخر ما تكلم به النبي ﷺ:«أخرجوا يهود الحجاز ونجران من جزيرة العرب»، وروى أحمد ومسلم والترمذي عن عمر أنه سمع النبي ﷺ يقول:«لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما»، وروى أحمد والشيخان من حديث ابن عباس أن النبي ﷺ أوصى عند موته بقوله:«أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»، وأخرج مالك في الموطّأ عن ابن شهاب، وأخرج أحمد في مسنده عن عائشة، أنه ﷺ قال:«لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»، وروى أحمد من حديث عائشة قالت: آخر ما عهد به رسول الله ﷺ أن قال: «لا يبرك بجزيرة العرب دينان».
٥٧ - ﴿فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ﴾ إذا أخذتهم في الحرب وظفرت بهم، بعد خيانتهم ونقضهم العهود كما سبق ذكره، وهو السبب المبرر لحربهم، لأنّ حروبه ﷺ كانت كلها دفاعية ﴿فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ﴾ اجعلهم عبرة لغيرهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ لعلّ من خلفهم يذّكرون العبرة من عاقبة نقض العهود، وفي ذلك إشارة أنّ اللجوء إلى الحرب يكون لضرورة اجتماعية بهدف دفع المضار ولمنع البغي والعدوان، وأنها ليست مرغوبة لذاتها أو لأمجاد الدنيا.