٦٥ - ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ﴾ التحريض في اللغة أن يحثّ الإنسان على شيء حتى يعلم أنه مقارب للهلاك إن لم يفعله، والمعنى:
حثّهم أيها النبي على القتال ورغّبهم فيه لدفع العدوان عنهم، حتى لا يكونوا حرضا، أو يكونوا من الهالكين بعدوان الكفار عليهم، إذا رأوهم ضعفاء مستسلمين، والنتيجة أنهم لو تخلفوا عن القتال بعد حثّ النبي ﷺ لهم كانوا حارضين، أي هالكين ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ المراد أن يصمد المسلمون للعدو ولو كانوا عشرة أضعافهم، وأن الغلبة تكون للمؤمنين بشرط الصبر والاجتهاد في القتال، وبشرط الفقه كما سيرد: ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ الغلبة تكون للمؤمنين الصابرين على الكفار، ولو كانوا عشرة أضعاف المؤمنين، لأن الكفار لا يفقهون الحقيقة، من حيث إن الحياة الدنيا عندهم هي منتهى الأمل وغاية السعي، فهم لا يؤمنون بالبعث والآخرة، أمّا إن كانوا يهودا أو مسيحية فهم مغرورون بنسبهم وبشفاعة أنبيائهم ولو لم يسعوا للآخرة سعيها، أما المؤمنون فيفقهون حقيقة الدنيا والآخرة، وأن الدنيا زائلة ويقدّمون للآخرة، كما يفقهون سنن الله تعالى في الخلق فيعدّون لأمور الحرب عدتّها ويتخذون الأسباب الدنيوية سلفا بإعداد القوة والمرابطة (الآية ٦٠)،
وهذه القاعدة القرآنية، بأن يغلب المؤمنون عشرة أمثالهم، بالإضافة إلى تحريم الفرار من الزحف، الآيات (١٥ - ١٦) مهّدت السبيل فيما بعد للفتوحات الإسلامية التي امتدت خلال أقل من قرن من أقصى العالم القديم إلى أقصاه، على قلة أعداد المسلمين الذين انطلقوا من الجزيرة العربية بالمقارنة مع أعداد