والتهالك على الدنيا ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ﴾ كان من نتيجة انسلاخه عن العلم واليقين الذي هو عليه أنّ أدركه الشيطان بالوسواس السيئ (الآية ١٧) ﴿فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ﴾ من الضالين المفسدين الخائبين، والواضح أن الآية لا تشير لشخص معين من الناس، وإنما لكلّ من يتجاهل الآيات وينسلخ عنها.
١٧٦ - ﴿وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها﴾ أي لرفعناه بالآيات التي علمها واستوعبها، بأن ألزمناه اتباعها طوعا أو كرها، ولكن ذلك مخالف لسنتنا في أن يكون لبني آدم حرية الخيار ﴿وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ اختار أن يميل إلى الدنيا وإلى المادة ﴿وَاِتَّبَعَ هَواهُ﴾ مفضّلا الدنيا والهوى على الالتزام، وعلى تحقيق الذات والسمو الروحي، أو مفضّلا العصبية والتقليد على الإقرار بالحقيقة ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ سواء عليه إن جاءته الآيات فصار عالما موقنا بها، أم لم تأته الآيات فبقي جاهلا، فالنتيجة العملية واحدة بالنسبة إلى أمثاله، لأنه في جميع الأحوال يلهث جريا وراء المادة ووراء نزواته ورغباته الدنيوية المباشرة، مثل الكلب الذي يلهث في حالة الراحة أو التعب، أو في حالة الشبع أو الجوع، أو في حالة الشرب أو العطش ﴿ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ وهم بنو إسرائيل، جاءتهم الرسالة الإلهية والآيات المعجزات فلم يستفيدوا منها ولم يعتبروا بها، سواء عليهم جاءتهم أم لم تجئهم ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي فاقصص، أيها الرسول للناس مثل هذه القصص البليغة لعلهم يأخذون العبر منها، ولعلهم يراجعون الفكر والعقل فيما ينبغي أن يختاروا من سبيل في حياتهم، ولعلهم يتفكّرون فيما فطروا عليه من الفطرة السليمة، وترجيح الفكر السليم على الهوى، ولعلهم يتفكّرون في التعامل مع بني إسرائيل، ولعلّ بني إسرائيل يرجعون عن غيّهم.