للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأنه الكذب بعينه، وقوله ﴿عَلى قَمِيصِهِ﴾ لكون الدم موضوعا على ظاهر القميص وضعا متكلّفا، ولو كان الدم سببه افتراس الذئب لكان قميصا ممزقا متغلغلا الدم فيه، فلما شاهد يعقوب القميص سليما لم يصدّقهم، فقال لهم:

﴿قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً﴾ سهّلت وزيّنت لكم أنفسكم أمرا سيئا منكرا ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أولى من الجزع، لا شكوى فيه إلا لله تعالى ﴿وَاللهُ الْمُسْتَعانُ﴾ أستعينه وحده دون غيره ﴿عَلى ما تَصِفُونَ﴾ من هذه المصيبة، وقد يستشف من كلام يعقوب علمه من الوحي أن يوسف حي معافى، لأنه سبق أن قال له: ﴿وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ (٦)، وذلك ظاهر أيضا من قوله بعد ذلك: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً﴾ (٨٣)، وفي مقابل الصبر الجميل زعمت رواية سفر التكوين اليهودية أن يعقوب مزّق ثيابه وناح على ابنه أياما عديدة وقال إني أنزل إلى ابني نائحا إلى الجحيم.

﴿وَجاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ (١٩)

١٩ - ﴿وَجاءَتْ سَيّارَةٌ﴾ على وزن جوّالة أو كشّافة، أي قوم يسيرون وهم قافلة سفر هبطوا على أرض فيها الجبّ الملقى فيه يوسف، كان في طريق سفرهم المعتاد ﴿فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ﴾ الوارد الذي يرد الماء ليستقي القوم ﴿فَأَدْلى دَلْوَهُ﴾ في الجبّ، فتعلّق به يوسف فلمّا خرج ورآه ﴿قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ﴾ يبشّر به جماعته السيارة، فاستبشروا ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً﴾ أخفوه من الناس متاعا للتجارة لئلاّ يدعيه أحد من أهل ذلك المكان ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ بما يعمله هؤلاء السيارة، وما يعمله إخوة يوسف، فلكل منهم أرب في عمله:

السيارة يدّعون بالباطل أن يوسف عبد لهم فيتّجرون به، وإخوة يوسف يتخلصون منه ويدعون أمام أبيهم أن الذئب أكله، وحكمته تعالى مسبب الأسباب فوق كل شيء، فقد كان حسد اخوة يوسف له واحتيالهم عليه والتخلص منه سببا لأن يصل إلى مصر ويؤول أمره إلى تحقيق رؤياه.

<<  <  ج: ص:  >  >>