لأمره وإلحاحهم وخفتهم وتنطعهم في السؤال، وتكرار قولهم ﴿رَبَّكَ﴾ ولم يقولوا «ربنا».
ومغزى القصة يشير إلى نقطة فقهية هامة وهي كراهة طلب تفاصيل إضافية لشرع عامّ، لأن من شأن ذلك تعقيد الأمور على المجتمع، قال تعالى ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة ٥/ ١٠١]، وروى أبو داود في سننه أن النبي ﷺ قال:«لا تشدّدوا على أنفسكم فيشدّد عليكم، فإنّ قوما شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم»، وعن ابن عباس: لو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم.
ومن ذلك أنّ نظرة السلف الأول الى الدين كانت بسيطة ومباشرة، فهموه بشكل فطري دون إشكالات ولا تعقيدات، ولكنّ بعض من جاؤوا بعدهم استغرقوا في استنباط التفاصيل، فجعلوا الشريعة عبئا ثقيلا على الناس بعكس ما هدف إليه القرآن والسنة، ويحتمل أن اختيار اسم البقرة لهذه السورة نابع من المغزى الهام الذي تنطوي عليه هذه القصة.
ومن جهة أخرى رأى البيضاوي أن ذبح البقرة كناية عن ذبح شهواتهم وأهوائهم، فيكون تقدير الآية: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة أهوائكم، والمعنى أن تتخلصوا من ضلالكم، عدا أن ذبح البقرة قربى إلى الله تعالى رجاء الوصول إلى المبتغى.
٧٢ - في شرع اليهود أنه إذا وجدت جثة قتيل لم يعرف قاتله فتذبح بقرة ويدعى كبار القوم في المنطقة فيغسلون أيديهم فوق البقرة الذبيحة قائلين أن لا علاقة لهم بالقتل، وأنهم لا يعرفون القاتل، وبذلك يخلون أنفسهم من المسؤولية ومن لا يفعل ذلك منهم يعرف أنه القاتل (سفر التثنية ٢١/ ١ - ٩)، وقد يكون في الآيات (٦٧ - ٧١) إشارة لذلك: