وأما القول إنّ الآية عبارة عن تشريع لعقوبة قطاع الطرق والخارجين على الحكومة الإسلامية، فعدا أنّ هذا المعنى ضيّق وبعيد جدّا ولا يستقيم مع النظم القرآني، فإن أصحاب هذا القول لم يتفقوا على تحديد أي من العقوبات، القتل أم الصلب أم التقطيع أم النفي، تنطبق على المجرمين ولأي ذنب من الذنوب؟ وهم قد حاروا في تحديد معنى النفي من الأرض؟ إذ لا يعقل نفي المجرم من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي آخر لينقل جرائمه إليه، كما لا يعقل نفيه إلى بلد غير إسلامي، وفسّر بعضهم ذلك بالسجن في زنزانة تحت الأرض، وهو لا يكاد يفي بالمعنى، عدا كون بعض هذه العقوبات مطابقة لعقوبة فرعون لمخالفيه، قال تعالى على لسان فرعون: ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف: ٧/ ١٢٤]، فلا يليق أن تكون عقوبة الطاغية فرعون للمؤمنين كعقوبته تعالى لمن يحاربون الله ورسوله.
٣٤ - ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ أي تابوا عن محاربة الله ورسله، وتابوا عن الإفساد في الأرض، وكانت توبتهم قبل أن ينتشر الإسلام وقبل أن تصبح السيطرة للدولة الإسلامية وتكون لها اليد العليا، لأن توبتهم بعد ذلك لا يكون لها قيمة حقيقية أو دينية أو أخلاقية، سوى أنها مسايرة للأوضاع السائدة، فلا تكون - على الأغلب - عن قناعة منهم، والمعنى أنه ما لم تكن توبتهم صادقة فإنهم يستمرون في المعاناة من العذاب المشار إليه في الآية السابقة، وقد تاب بعضهم، وأظهر بعضهم الآخر الدخول في الإسلام أيام الدولة الأموية والعباسية وفي الأندلس وفي الدولة العثمانية ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي إنّ الله تعالى يغفر ذنوب الذين يتوبون منهم قبل ذلك، فينجيهم من العذاب العظيم في الآخرة، المشار له في آخر الآية السابقة.