دأب اليهود على إفساد المجتمعات واستغلال البشرية والتحكم بها، ونشر الشذوذ والأمراض الاجتماعية والعضوية فيها، والدليل أن اليهود بالذات هم المقصودون واضح من الآيات (٥٩ - ٦٤)، وفي الآية (٦٤) تكرّر وصفهم بأنهم ﴿يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً،﴾ وهي المرة الوحيدة في القرآن الكريم التي يرد فيها هذا الوصف حرفيا سوى الآية التي نحن بصددها، وأيضا قوله تعالى في الآية المتقدمة: ﴿مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ﴾ (٣٢)، فالكلام في هذه الآية استمرار لما سبقها، وأيضا قوله تعالى لهم على لسان موسى ﴿وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة:
٢/ ٦٠]، وقوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ [الإسراء: ١٧/ ٤]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا﴾ [الإسراء: ١٧/ ٨]، أي إن عدتم إلى الإفساد عدنا إلى عقابكم، والمعروف أن اليهود يعتقدون منذ القدم أن البشر قسمان: اليهود، والأغيار حسب تعبيرهم، والأغيار من ليسوا على دينهم، وأنه من واجبهم إفساد من ليس على دينهم كي تبقى لهم السيطرة (انظر كتاب إسرائيل شاحاك/تاريخ الديانة اليهودية)، ودينهم دين عنصري لا يريدون من غيرهم الدخول فيه بل هو مختص بهم فقط حسبما يعتقدون.
﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ كل عذاب الدنيا المذكور آنفا هو بالإضافة لما ينتظرهم من العذاب العظيم في الآخرة، وهذه الآية من درر سورة المائدة وفيها كشف عن الغيب وتشخيص لأحوال اليهود وطبائعهم على المدى القصير والطويل، وهم قد بذلوا قصارى جهدهم لمحاربة الإسلام على المستويين الديني والسياسي، فمن جهة أدخلوا الكثير من الإسرائيليات في التفسير القرآني وفي الحديث الشريف لكي يفسدوا على المسلمين دينهم، كما سبق أن أفسدوا اليهودية والنصرانية، ومن جهة ثانية فإن التحدي اليهودي للإسلام على المستوى الديني والسياسي والعسكري قد بلغ ذروته بتفكيك الدولة العثمانية، ثم باحتلال اليهود لفلسطين والقدس.