﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ﴾ الإشارة للمشركين الذين ماتوا على الكفر، مصرّين عليه، بعد أن بلغتهم رسالة الإسلام، بدليل الآية (١١٥)، فقاوموا الإسلام وحاربوه حتى رمقهم الأخير، فأمثال هؤلاء لا يجوز الاستغفار لهم مهما كانت درجة قرابتهم للمؤمنين، ولكن يجوز الاستغفار لحيّ يرجى إيمانه وبقصد سؤال الله أن يهديه لما يكون به أهلا للمغفرة،
١١٤ - ﴿وَما كانَ اِسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ﴾ كان إبراهيم ﵇ يستغفر لأبيه ويرجو إيمانه ويقصد سؤال الله أن يهديه لما يكون به أهلا للمغفرة، والموعدة التي وعدها لأبيه هي قوله: ﴿قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم ٤٧/ ١٩]، ودعاؤه: ﴿وَاِغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ﴾ [الشعراء ٨٦/ ٢٦]، وقوله ﴿إِلاّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الممتحنة ٤/ ٦٠]،
﴿فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ تبرّأ إبراهيم من أبيه بعد أن مات الأب مصرّا على الكفر، وانقطعت عنه التوبة، أو أنه تبرّأ من أبيه بعد أن علم بطريق الوحي أنّ أباه لن يؤمن، مثلما على النبي ﷺ من نزول سورة المسد عليه أن عمّه أبا لهب لن يؤمن ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ﴾ كثير الدعاء والتضرّع والخشوع والشفقة والرقّة ﴿حَلِيمٌ﴾ يتأنّى في الأمور ولا يستفزّه الغضب، فقد استغفر لأبيه مع أنّ أباه هدده بالرجم والطرد: ﴿قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاُهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم ٤٦/ ١٩].