للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٥ - بعد أن نهى تعالى عن الاستغفار للمشركين الذين ماتوا مصرّين على الكفر فصاروا من أصحاب الجحيم، وضرب مثلا باستغفار إبراهيم لأبيه، بيّن في هذه الآية السبب في ذلك، وهي أنه لا يؤاخذ الناس بضلالهم إلاّ بعد أن تبلغهم الرسالة ويتبيّن لهم طريق الخير من طريق الشر:

﴿وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً﴾ الله تعالى لا يترك الناس على ضلالهم، أو يعتبرهم ضالّين فيعاقبهم، إلاّ بعد أن تبلغهم الرسالة، ويبيّن لهم طريق الهداية بيانا واضحا تامّا لا مجال معه للاجتهاد الذي قد يكون عذرا في المخالفة ﴿بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ﴾ بعد أن هداهم بالفطرة، أو بعد أن قضى بإنارة السبيل إلى هدايتهم، فنزلت الرسالات السماوية تدعوهم إلى الهدى، وتبيّن لهم طريق الخير من الشر ﴿حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ﴾ يبيّن لهم الأحكام والشرائع، وما يجب اتقاؤه من الشرك والمعاصي، والبيان يكون بالنص القطعي، فالعبادات والحلال والحرام لا تثبت إلا به ﴿إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فلا يعاقب العباد إلاّ بعد التبيين وإزالة الأعذار والعلل، والخلاصة أنّ الله تعالى لا يترك الناس على الضلال، بعد إذ هداهم بالفطرة، حتى يبعث لهم الرسل فيبين لهم ما يتقون من الشرك والفسوق.

ونظير هذه الآية كثير في التنزيل، ومن ذلك قوله تعالى:

﴿ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ﴾ [الأنعام ١٣١/ ٧]، وقوله تعالى ﴿وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ﴾ [الحجر ٤/ ١٥]، وقوله تعالى ﴿وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء ١٥ /]، وقوله تعالى ﴿وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاّ لَها مُنْذِرُونَ﴾ [الشعراء ٢٠٨/ ٢٦]، وقوله تعالى ﴿وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ﴾ [القصص ٥٩/ ٢٨]، وقوله عزّ من قائل ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٢٤/ ٣٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>