للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ﴾ (٢٩)

٢٩ - بعد أن ذكرت السورة حكم البراءة من مشركي جزيرة العرب، وأوجبت قتالهم حتى يتوبوا، وفصّلت الأحكام فيهم، وضربت مثلا بوقعة حنين، تذكر هنا (الآيات ٢٩ - ٣٥) حكم أهل الكتاب، لأنّ سياسة الإسلام في عرب الجزيرة خاصة بهم وحدهم، دون غيرهم من الناس خارج جزيرة العرب:

﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ الكلام عن أهل الكتاب، وكونهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، أي لا يؤمنون على الوجه الصحيح بعد أن أدخلوا في دينهم وابتدعوا فيه وفي كتبهم المقدسة الشيء الكثير من عندهم، راجع شرح آية [آل عمران ٣/ ٣]، كما أن طائفة هامة من اليهود وهم السدوقيون لا يؤمنون بالآخرة، وليس في كتب اليهود التي يسمونها مقدسة أي "العهد القديم" سوى إشارة واحدة للآخرة في سفر دانيال ﴿وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ﴾ ليس المقصود أنهم لم يحرّموا على أنفسهم ما حرّمه الله ورسوله محمد على المسلمين، فذلك لا يعقل لكونهم لم يسلموا، وإنّما لم يحرّموا على أنفسهم ما حرّمه الله ورسلهم عليهم فقد بدّلوا شريعتهم وأحلّوا وحرّموا فيها من عند أنفسهم ﴿وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ﴾ فمن جهة لا يتّبعون شريعة الإسلام، ومن جهة ثانية لا يتبعون شريعتهم الصحيحة ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾ إذا لم يقبلوا الدخول في الإسلام، والأمر بقتال أهل الكتاب يجب أن ينظر إليه ضمن الشريعة القرآنية المتكاملة، وهي أن القتال يجب أن يكون لمنع الفتنة في الدين فلا يضطهد الناس لأجل دينهم ولا يكرهوا على تركه ولا يطردوا من ديارهم، لقوله تعالى ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ فَإِنِ اِنْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الأنفال ٣٩/ ٨]، وقوله تعالى: ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة ٢٥٦/ ٢]، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود

<<  <  ج: ص:  >  >>