لذاته سواء قدر العباد على الإتيان بالحمد أم لم يقدروا، وسواء حمده حامد أم لم يحمد، فكمال الحمد ملكه وحقّه،
وأما كلمة الربّ في قوله تعالى ﴿رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ فتشمل امتزاج معنى الألوهية بمعنى التربية، وكلمة ﴿رَبِّ﴾ لا تطلق على غيره تعالى إلاّ مضافة إلى شيء، كقولهم ربّ الدار أو ربّ العائلة،
﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ (٣)، الرحمن صفة ذاتية لله تعالى لقوله: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف ٧/ ١٥٦]، فرحمته تعالى من صفاته القديمة الأزلية التي قام بها أمر الكون، وهي عامّة لكل مخلوق، ولولاها لهلك فورا كل كافر وعاص عقب كفره ومعصيته دون إمهال،
والرحيم صفة فعل تدل على وصول الرحمة إلى الخلق، لقوله تعالى:
﴿فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف ٧/ ١٥٦]، أما العذاب فليس من صفاته بل من أفعاله المرتبة على صفة العدل،
﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (٤)، وهو يوم البعث والجزاء الذي تتحقق فيه العدالة على أتم وجه لقوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم ٥٣/ ٣١]، والدين من الديّان وهو صفة لله تعالى، لأن العباد صاروا مسؤولين بعد نزول الوحي عليهم، وفي الحديث:«كما تدين تدان»، والمعلوم أن المسؤولية قسمان: حقوق الله، وحقوق العباد، أمّا حقوق الله فمبنيّة على المسامحة لأن الله تعالى غنيّ عن العالمين، وأما حقوق العباد فغير ذلك،
وبعد بدء السورة بالبسملة، والإقرار بالحمد، وبالربوبية لله تعالى، وبالمسؤولية الأخلاقية، تنتقل السورة إلى صيغة الدعاء بالجمع:
﴿إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (٥)، ما يفيد حصر العبادة بالله تعالى وحده، والمعنى لا نعبد إلا الله، ولا نستعين بغيره، والآية دلالة على كلمة التوحيد المحض: ﴿لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ﴾ [محمد ٤٧/ ١٩]، وصيغة الجمع في هذه الآية - حتى آخر السورة - توجيه