للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمثابة الموت، والإيمان بمثابة الحياة، لأنّ إبراهيم كان بصدد دعوة الملك إلى الهدى،

﴿قالَ﴾ الملك ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ لم يفهم الملك مغزى كلام إبراهيم إلاّ فهما سطحيا، بمعنى أن باستطاعة الملك قتل من يريد وترك من يريد حيّا، فلذلك انتقل إبراهيم من الإقناع المعنوي إلى الإقناع الحسّي فقال له: ﴿قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ بهت أي صار مغلوبا لا يجد حجة ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ الظالم بهذا المعنى الإعراض عن النور الإلهي، وهو نور العقل الصحيح البريء من الأهواء الذي لم يستسلم للطواغيت، وينسب تعالى «الهداية» إلى مشيئته لأنّ سنن الطبيعة بأكملها من أسباب ونتائج تعود إليه، ومن ذلك أنّ الاهتداء نتيجة طبيعية لحرية الخيار الذي منحه تعالى لبني آدم، انظر شرح الآية (٦)، فالكافر لم يقرّ بالايمان رغم الدليل القاطع، ونظير هذا قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ [الأنعام ٦/ ١١١]، وقوله تعالى ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاِسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل ٢٧/ ١٤].

﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَاُنْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَاُنْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (٢٥٩)

٢٥٩ - من المهم ملاحظة أنّ هذه الآية تتوسط الآية السابقة التي يقول فيها إبراهيم للكافر: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ ثم الآية التالية التي

<<  <  ج: ص:  >  >>