للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطلب فيها إبراهيم من ربّه أن يريه إحياء الموتى، وفي هذه الآية يبيّن تعالى نسبيّة الزمن، ومعجزة الخلق الموجودة في كلّ شيء:

﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ﴾ ليس في القرآن والسنة ما يدلّ على شخصية الذي مر على القرية أو مكانها، وليس من المهم معرفة من هو لأنّ العبرة بمغزى القصة ﴿وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها﴾ خالية من أهلها وقد انهارت سقوفها ﴿قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها﴾ قال ذلك تعجبا واستغرابا، أو استبعادا ﴿فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ بعثه برهانا لقدرته تعالى على إحياء الموتى ﴿قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ لم يتسنّه أي لم يؤثر عليه مرّ السنين، فبقي كما هو ﴿وَاُنْظُرْ إِلى حِمارِكَ﴾ معطوف على قوله ﴿فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ﴾ والمعنى أنّ الحمار أيضا لم يتسنّه، ولا زال حيا برهانا على قدرته تعالى على منح الحياة بلا أمد ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ﴾ لأنه عندما يخرج إلى الناس فسوف يجد أن الأجيال قد تغيرت وبقي هو على حاله، وهذه العبارة تتوسّط الكلام، بين المعجزات الخاصة بإحيائه وعدم تسنّه الطعام وإبقاء الحمار حيّا، وبين المعجزة العامة التي غفل عنها هذا المتعجّب وهي نشوز العظام من العدم:

﴿وَاُنْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً﴾ أي تفكّر في معجزة الخلق المستمرّة، وكيف يتطور الجنين وتتكوّن عظامه في الرحم وهذا منتهى الإعجاز، وهو شبيه بقوله تعالى ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ﴾ [المؤمنون ٢٣/ ١٤]، فمن ينظر في ذلك لا يستغرب إحياء القرية بعد موتها، فالمعجزات موجودة في الخلق وفي كلّ وقت، والزمن نسبي، وللإنسان أن يتدبّر ذلك ﴿فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أدرك حقيقة الإعجاز فيما اعتاد أن ينظر إليه كمسلّمات من الأمور العاديّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>