للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٤ - ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي إن دأب تلك الأقوام الذين لم يغيّروا ما بأنفسهم، مثل دأب آل فرعون، ومثل دأب الأقوام الذين كانوا قبلهم ممّن كذّبوا بالآيات بعدما جاءتهم، فكان الهلاك مصيرهم ﴿كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ كفروا نعمه تعالى فحلّ بهم الهلاك، كما هي سنة الله المطردة في الخليقة ﴿وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ كما أهلكنا قبلهم من الأمم بذنوبهم ﴿وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ﴾ كلّ منهم كانوا ظالمين: كفار مكة، وآل فرعون، والأقوام من قبلهم، جميعهم ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، وظلموا غيرهم بالأذى والتجبر، وقد وصفتهم الآية التالية أنهم من شر الدواب:

﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ (٥٥)

٥٥ - ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ استخدام الفعل الماضي يفيد أنهم مصرّون على الكفر، والتعبير عنهم بالدواب كونهم لا يستفيدون من ملكاتهم العقلية في التوصل إلى الحقيقة، وليس عندهم الاستعداد للإقرار بها رغم الدلائل والبراهين، وذلك سبب عدم إيمانهم، وهم شرّ من الدواب لأن الدواب لا تملك العقل مثلهم ﴿فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بسبب اتخاذهم مواقف مسبقة وجمودهم على التقليد، ومن ثمّ عدم تقويمهم الرسالة الإسلامية من حيث جدارتها وصحتها، وقد وصفتهم الآية (٢٢) بأنهم لا يعقلون، أي لا يستخدمون عقولهم، ثم بيّن تعالى في الآية الآتية أنهم اليهود خاصة:

﴿الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ﴾ (٥٦)

٥٦ - استمرار الخطاب من الآية السابقة، إن شر الدواب عند الله الذين كفروا، ومنهم على سبيل المثال الذين عاهدت من اليهود:

﴿الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ﴾ أيها النبي، وهم يهود الحجاز من بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، ويهود خيبر، عقد معهم النبي بعد هجرته إلى المدينة عهودا أقرهم فيها على دينهم، وأمّنهم على أنفسهم وأموالهم ﴿ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ بدأ بنو قينقاع بنقض العهد بعد عودة الرسول من

<<  <  ج: ص:  >  >>