﴿فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ والاستغفار يجب أن يصدّقه العمل، فيكون بمعنى التوبة والندم على الذنوب والعزم على تركها، أما الاستغفار باللسان فقط دون عزم فلا أثر له ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ﴾ فلا تطلب المغفرة إلا منه ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ لم يصرّوا على ذنوبهم وهم يعلمون قبحها.
١٣٦ - ﴿أُولئِكَ﴾ أي المتقون الموصوفون بما ذكر في الآيتين السابقتين ﴿جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ بستر معاصيهم وتكفير ذنوبهم ﴿وَجَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها﴾ وهي مكافأة لهم فوق المغفرة ﴿وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ﴾ فهذا تمام ما يطمح الإنسان إليه! فليعمل الناس بعمل هؤلاء العاملين.
١٣٧ - بعد ما ورد في الآيات السابقات من أخبار وقعة أحد، والتذكير بوقعة بدر، وبعض العبر الحاصلة بهما، يذكر تعالى سننه في الخلق والعبر في ذلك ويعلّم المؤمنين من علم الاجتماع ما لا يعلمون: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ خلت أي مضت، والسنن مفردها سنّة وهي الطريق المستقيمة، وهي أيضا المثال المتّبع أو السيرة، ومنه سنّة النبي ﷺ: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ انظروا في تاريخ من قبلكم من الأمم وكيف أن مشيئة الله في خلقه تسير وفق سنن حكيمة لا تتبدّل، والصراع بين الحق والباطل مستمر منذ الأزل، ويحصل بأسباب مطّردة وأنماط متكررة، والمؤمنون الصادقون أجدر من غيرهم بمعرفة سننه تعالى في خلقه واتباع ما يلزم لتحقيق أسباب النصر فلا يتواكلون ﴿فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ لأنّ من سننه تعالى أنّ الباطل يزول وإن طال أمره.