فانهم يجمحون ويتوقفون، والآية تمثيل لشدة حيرتهم وفزعهم وترددهم ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لو شاء الله لجعلهم في الحالة التي يجعلونها لأنفسهم، أي في الضلال، ولصاروا كالكفار المذكورين في الآية (٧) الذين على سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ولكن الله تعالى يلطف بهم ويبقي سبيل الهداية والتوبة مفتوحا لهم، والواضح أن السمع والبصر كناية عن مقدرة الإنسان الفطرية على التفريق بين الحق والباطل.
٢١ - بعد أن شرحت الآيات السابقة حال المؤمنين، والكفار، والمنافقين، ينتقل الخطاب لبيان الأدلة على التوحيد والنبوة والبعث: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ رسالة القرآن موجهة للناس جميعا، والآية تذكرهم بنعمته تعالى إذ خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئا، فهم مدينون له بوجودهم، فلا أقل من أن يلتزم الإنسان في حياته بطاعة خالقه وعبادته، ويدخل في العبادة: التوحيد بالقلب، والخضوع بالنفس، والاستسلام للحكم ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وهو معنى الخوف والرجاء من الله، فالإنسان يبذل جهده في الطاعات، والمعنى لعلكم تتّقون السلوك المنحرف والعواقب الوخيمة الناجمة عن العقائد الزائفة.
٢٢ - ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾ وهذه أيضا من موجبات عبادته تعالى أنه سخّر الأرض ورزق الناس بالمطر والثمار، وفي الآية حثّ على التفكّر في مخلوقات الله ومعجزات الكون للثبات على التوحيد ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً﴾ عاجزون أن يفعلوا شيئا من ذلك، والآية دعوة لإبعاد الناس عن الشرك، فربّما