وعلى النقيض من ذلك يكون كتاب الأبرار في أعلا المراتب: ﴿كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ (١٨)
والإبهام المقصود في الاستفهام التالي - كما في بعض السور المكية - يفيد استحالة تمكن البشر من استيعاب حقيقة الآخرة ضمن إطار المكان والزمان المعروفين لديهم: ﴿وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ﴾ (١٩)
وكتاب حسنات الأبرار لا يمحى ولا يبلى: ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ (٢٠)
يشهده المقربون من الملائكة والنبيين والصالحين فينالوا منهم الدعاء:
﴿يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ (٢١)
وفي تفصيل نعيم الأبرار يخاطب الله تعالى البشر بما تعارفوا عليه من مفاهيم الدنيا: ﴿إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ * وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ (٢٢ - ٢٨)، لأن حقيقته لا كعين رأت ولا خطر على قلب بشر.
وبالمقابل تصف السورة سخرية المجرمين في الدنيا وتهكمهم على المؤمنين، ليس فقط وقت البعثة، ولكن كما هو دأبهم في كل مكان وزمان: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ﴾ (٢٩ - ٣٠)