يفهم معناها إلا بالتأويل، وهي تشمل المجاز والكناية كقوله تعالى: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ﴾ [النساء: ٤/ ١٧١] والاستواء على العرش ﴿الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اِسْتَوى﴾ [طه: ٢٠/ ٥] وقوله تعالى: ﴿لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ [الحاقة: ٦٩/ ٤٥] وتشمل ما لا سبيل إلى العلم به كالغيبيات مثل كيفية صفات الله تعالى، وقصّة خلق آدم والحوار مع الملائكة وعصيان إبليس، وحقيقة الجنة والنار، والجزاء على الأعمال، فمثلا ليست نار الآخرة مثل نار الدنيا وإنّما هي شيء آخر، وليس نعيم الجنة من الثمرات والأنهار واللبن والعسل المصفّى والحور ممّا نعهده في الدنيا، فكلّها تشبيهات وتصويرات للمعاني العقلية المجرّدة، عن طريق إبرازها في صور حسّية، ويتضح ذلك من قوله تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ٣٢/ ١٧].
أما الحكمة من وجود الآيات المتشابهات فهي ما تقتضيه الضرورة في مخاطبة البشر، لأنّ كثيرا منهم لا يستطيعون استيعاب المفاهيم والمعاني المجردة ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ الزيغ هو الميل عن الصواب والانحراف ﴿فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ اِبْتِغاءَ الْفِتْنَةِ﴾ يكون تركيزهم على المتشابهات بغية الدسّ والتنفير والشقاق والإنكار ﴿وَاِبْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ يريدون إرجاع المعاني إلى أهوائهم وأغراضهم فيصرفونها عن الصحيح ليخرجوا الناس من دينهم ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا﴾ التأويل بمعنى ما سيكون عليه المآل أي العاقبة والنتيجة، والتأويل أيضا بمعنى التفسير، ولذا اختلفوا في الوقف بعد لفظ الجلالة، ففي حال الوقف يكون المعنى أن علم تأويله عنده تعالى فقط، وتكون الواو في ﴿وَالرّاسِخُونَ﴾ للاستئناف، وكلمة ﴿الرّاسِخُونَ﴾ مبتدأ خبره ﴿يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ﴾ وهذا يصح إذا كان المراد بالتأويل العاقبة أو علم الغيب فذلك مختصّ بعلمه تعالى فقط، وفي هذه الحالة يكون سبب إيمان العلماء بالمتشابه هو رسوخهم في العلم وتواضعهم عن التطلع لمعرفة الغيب.