غير أنه يمكن نقض أقوال المفسرين من حيث أنها لم تقدم أي شرح مقنع للآية (٦٨): ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ لأنهم أجمعوا أن المراد بقوله ﴿أَخَذْتُمْ﴾ هو الفداء، كما فهموا أن المسلمين، والنبي ﷺ في مقدمتهم، قد ارتكبوا إثما يترتب عليه عذاب عظيم؟! ممّا لا يكاد يسيغه العقل، أضف إلى ذلك أن الخبر المشار له مبني على روايات آحاد.
فلو أخذنا بالاعتبار سبق نزول الوحي في سورة محمد بما يجب عمله في مثل هذه الحالة: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها﴾ [محمد ٤/ ٤٧]، يتضح أن الوحي كان قد أحلّ أخذ الأسرى وأخذ الفدية بعد الإثخان في العدو، وبالتالي فإن المسلمين لم يرتكبوا خطأ في بدر لجهة أخذ الأسرى، أو أخذ الفدية، وإنما كان الخطأ في الاهتمام بأخذ الأسرى قبل أن يتم الإثخان في العدو، إذ عندما تقهقر جيش المشركين ثم لاذ بالفرار، انشغل المسلمون بجمع الغنائم وأخذ الأسرى بدلا من متابعة العدو والإجهاز عليه، ولو أنهم لاحقوا العدو وأجهزوا على فلوله لكان محتملا أن يكون في ذلك ضربة قاصمة لقريش، واحتمال ألاّ يعود المشركون للانتقام منهم في أحد بعد عام، ولذلك نزل الوحي بلوم المسلمين على ما ظهر منهم، ومن الواضح أن اللوم موجّه إليهم فقط دون النبي ﷺ، ومغزى الآية هو التأكيد أن الهدف من حروب النبي ﷺ والمسلمين، ليس جمع الغنائم ولا جمع فداء الأسرى، وإنما القضاء على قوى الكفر، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي انصب اهتمام المسلمين فيها على الغنيمة، فقد سبق أن جادلوا النبي ﷺ قبل الخروج لبدر يريدون سلب قافلة أبي سفيان، ولولا كتاب من الله سبق بحلّ أخذ الأسرى وأخذ الفدية، آية [محمد ٤/ ٤٧]، لمسّهم فيما أخذوا عذاب عظيم انتهى كلام المودودي.
غير أنّ محمد أسد فهم من الآية معنى عاما لا يقتصر على بدر ونتائجها، فقوله تعالى ﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى﴾ معناه أنه يمتنع على النبي ﷺ،