للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السورة ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ﴾ بأن الهدف من القتال هو إعلاء شأن الدين وليس جمع الغنائم ولا جمع فداء الأسرى:

﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى﴾ والكلام، في الحالة الخاصة، عن أسرى المشركين الذين أخذهم المسلمون في بدر، والواضح أنّ الخطاب موجّه للمؤمنين لأنهم هم الذين سعوا لأخذ الأسرى، بدلا من مطاردة فلول العدو، وليس النبي ﴿حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ يجوز أخذ الأسرى بعد الإثخان في الأرض، ويقال أثخنته الجراح أوهنته، والمراد بالإثخان إضعاف العدو حتى تصبح السيطرة والقوة والسيادة للمسلمين، وأصل معنى الثخانة الغلظة، ثم استعير للمبالغة في الإجهاز والإضعاف ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا﴾ العرض ما لا ثبات له، وفي الحديث: «الدنيا عرض حاضر»، وسمّيت منافع الدنيا ومتاعها عرضا لكونها زائلة فكأنها تعرض ثم تزول، والخطاب في الآية لمقاتلي بدر بدليل قوله ﴿تُرِيدُونَ﴾، ولو قصد به النبي لقال: تريد، ولأن إرادة عرض الدنيا صدرت منهم لا منه ، ولأن النبي لم يرد عرض الحياة الدنيا، ومغزى الآية توبيخ المسلمين، لأنهم بعد أن تحقق النصر لهم انشغلوا بطلب الغنائم وأخذ الأسرى بدلا من مطاردة فلول المشركين والإجهاز عليهم ﴿وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ أي يريد لكم حسن ثواب الآخرة ﴿وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ فاقتضت حكمته تعالى أنكم إن طلبتم الآخرة لم يغلبكم عدوّكم، وإن شغلتكم الدنيا ضعفت شوكتكم.

ذكر المودودي أن بعض المفسرين، في محاولتهم لشرح هذه الآية، يعودون للحوار الذي جرى بين النبي وبين كل من أبي بكر وعمر، ، لبحث مصير أسرى بدر من المشركين وعددهم سبعون، إذ كان رأي أبي بكر إطلاق سراح الأسرى مقابل فدية تؤخذ من كل منهم، يستعين بها المسلمون على حوائجهم، وكان رأي عمر أن تضرب أعناق الأسرى لما سبق لهم من الكيد للإسلام ومشاقة النبي ، وقد أخذ النبي برأي أبي بكر، وأن الوحي بعد ذلك نزل مغايرا لهذا الرأي،

<<  <  ج: ص:  >  >>