الأسفار قوله إنه لم يأت لينقض الناموس أي شريعة موسى لكن ليتممه، وكان أتباعه الأوائل يصلّون جنبا إلى جنب مع اليهود في معبد القدس لأنهم لم يعتبروا أنفسهم طائفة مستقلة عنهم (سفر أعمال الرسل ٣/ ١ - ١٠، ٢١/ ١٤ - ٢١)، غير أن التباعد والانفصال بين الطرفين جاء تدريجيا بعد عيسى، فمن جهة أعلن بولس، الذي كان قبل ذلك عدوا لدودا للمسيح، انفصاله عن اليهودية وادعى أن مجرّد الإيمان بعيسى كاف للخلاص، ومن جهة ثانية أعلن أحبار اليهود أن أتباع المسيح هراطقة مرتدّون، وكان يطلق عليهم لقب النصارى Nazarenes (أعمال الرسل ٢٤/ ٥).
ومن معجزات القرآن الكريم أنه استخدم كلمة (النصارى) من جديد بعد أن كانت قد اضمحلّت وطغت عليها تسمية «المسيحية»، ولم يكن بوسع النبي ﷺ أن يعلم ذلك، لأن لقب النصارى كان قد اضمحل منذ القرن الأول بعد المسيح، ثم استعمل لقب «المسيحيين» للمرة الأولى سنة ٤٣ - ٤٤ م في أنطاكية خلال زيارة بولس لها حيث كان يدعو الناس إلى دينه (أعمال الرسل ١١/ ٢٦) وكان معه الحواري برنابا قبل أن يختصما في حقيقة تعاليم المسيح وقبل أن ينفك أحدهما عن الآخر، وهكذا فإن المسيح ﵇ لم يكن المسيحي الأول بمعنى المسيحية الحالية، وإنما كان «النصراني» الأول، أما «المسيحي» الأول فهو بولس، بلا جدال.
﴿أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ﴾ وهو كالميثاق الذي أخذه تعالى على المسلمين عن طريق نبيه محمد ﷺ الآية ٧ - ، وكالميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل عن طريق موسى ﵇ الآية ١٢ - ، ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ الحظ في اللغة هو النصيب أي الجزء، وما ذكّروا به الإنجيل، والقرآن يطلق كلمة الذكر على الوحي لأنه تذكير للبشر بالميثاق الفطري المأخوذ عليهم، [الأعراف: ٧/ ١٧٢]، والمعنى أنهم أضاعوا قسما من إنجيلهم ولم يعملوا بالقليل الذي بقي عندهم منه،