وسبب ذلك أن الإنجيل الحقيقي الذي نزل على المسيح ﵇ لم يدوّن في زمنه، ولذا ظهر بعده عدد كبير من الأسفار يزيد عن العشرين وقيل أكثر من ذلك بكثير، كلّ منها يروي سيرة حياة المسيح وأقواله حسبما وصل إلى علم الكاتب أو المؤلف كما سمعه شفاهة من غيره، بلا تحقيق، والملاحظ أن هذه الأسفار كتبت باللغة اليونانية، وليس بالآرامية التي نطق بها عيسى المسيح وحواريّوه ﵈، ورغم أن هذه الأسفار بدأت كتابتها خلال فترة تتراوح ما بين ٤٥ - ٩٥ عاما بعد المسيح فإن أقدم المخطوطات اليونانية عن هذه الكتابات الموجودة بين أيدينا اليوم يعود تاريخها إلى العام ٢٠٠ بعد الميلاد، ثمّ في عام ٣٢٥ للميلاد انعقد في نيقية في آسية الصغرى المجمع المسكوني الأول برعاية إمبراطور روما قسطنطين الكبير الذي دخل المسيحية وجعلها الدين الرسمي للدولة، وأدخل فيها من العقائد الإغريقية الوثنية التي كانت مهيمنة على فكره، وعلى فكر بولس من قبله، وقد تقرّر في ذلك المجمع اعتماد أربعة أسفار فقط من مجموع الأسفار الكثيرة التي كانت متداولة وقتئذ، وأطلقوا عليها لقب الأسفار القانونية أو المعتمدة Canonical Gospels وأحرقت الأسفار الباقية واضطهد أتباعها،
﴿فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ كان نسيان حظ كبير من كتابهم سببا لاتباعهم الهوى، وتفرقهم طوائف كثيرة جدا يعادي ويبغض بعضها بعضا، حتى سفكت دماء كثيرة في الحروب الدينية بينهم، ومن ذلك أيضا انقسامهم إلى طوائف وكنائس كثيرة لا يزال يتزايد عددها إلى اليوم تزايدا هندسيا، وقد أسند تعالى إغراء العداوة والبغضاء بينهم إلى ذاته العلية مع كونه من أعمالهم الاختيارية بمقتضى سننه في خلقه من أسباب ومسببات ﴿وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ ينبئهم يوم القيامة بحقيقة ضلالهم، ويحاسبهم عليه.