أنه ليس لها علاقة بالتوراة الحقيقية باستثناء نصوص وعبارات مبعثرة بقيت من الأصل، ومن المعروف أن أسفار «العهد القديم» هذه كتبت بعد موسى ﵇ على فترات امتدّت عدّة مئات من السنين، والأسفار الخمسة كتبها الأحبار في أثناء فترة السبي البابلي (٥٨٦ ق م - ٥٣٧ ق م)، وكثير منها عبارة عن تأريخ قومي للشعب اليهودي، أما مؤلفوها فليسوا بالضرورة الأنبياء الذين تنسب إليهم الأسفار فلا يعدو ذلك مجرّد التخمين أو التمنّي، وقد ترجم العهد القديم إلى اليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد في الإسكندرية أيام الإسكندر الكبير وبعده، وتسمّى الترجمة اليونانية: السبعينية، وهي الترجمة التي هيمنت فيما بعد على مؤلفي كتب النصارى التي يسمونها «العهد الجديد»، انظر أيضا تفسير آية [آل عمران: ٣/ ٣]، وتعتبر الآية التي نحن بصددها، وغيرها من الآيات التي تشير إلى تحريف - تغيير - اليهود لكتابهم، من معجزات القرآن الكريم، لأن النبي ﷺ لم يكن مطلعا على كتب اليهود، ولم يكن بإمكانه أن يعرف أنها محرفة أو أنه قد طرأ عليها التغيير وأنه ضاع جزء كبير منها،
﴿وَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ الحظّ في اللغة هو النصيب أي الجزء، وما ذكّروا به هو التوراة، والقرآن يطلق كلمة الذكر على الوحي، لأنه تذكير للبشر بالميثاق الفطري المأخوذ عليهم، انظر [الأعراف: ٧/ ١٧٢]، والمعنى أنهم أضاعوا قسما من توراتهم ولم يعملوا بالقليل الذي بقي عندهم منها، بل غيّروه وفسروه حسب هواهم، والنسيان هو المشار إليه بقوله تعالى: ﴿أَوْ نُنْسِها﴾ [البقرة:
٢/ ١٠٦].
﴿وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾ خائنة بمعنى خيانة، أي لا تزال أيها الرسول، وأيها المسلم، تطّلع على خيانة منهم، أو على أعمال ذات خيانة منهم، فلا تحسبنّ أنك بمعاهدتهم تأمن مكرهم وخداعهم، فإنهم قوم لا يؤمن جانبهم، لا وفاء لهم ولا عهد ولا أمان، وقد أوصى النبي ﷺ بإجلائهم عن جزيرة