٤٨ - هذه الآية استمرار الخطاب، الذي بدأ بالآية (٤١)، للرسول ﷺ، فبعد أن وجّهت الرسول لكيفية التعامل مع اليهود والمنافقين، وذكرت نزول التوراة على بني إسرائيل وأنهم لم يحافظوا عليها ولم يقوموا بمقصدها، ثم نزل الإنجيل على عيسى المسيح ﵇ كي يرشد اليهود من ضلالهم إلى جادة الصواب فكفروا به، ثمّ إنّ النصارى أنفسهم لم يتمسّكوا بإنجيل عيسى ولم يحافظوا عليه، وإنما ضلّوا عنه إلى ديانة بولس، وفي هذه الآية يكمل تعالى الخطاب لرسوله، فقال جلّ ثناؤه:
﴿وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ﴾ الكتاب هنا بمثابة اسم علم للقرآن لأنه تعالى ذكره تخصيصا بعد التوراة والإنجيل، والمعنى: أنزلنا، إليك أيها الرسول، القرآن متضمنا ومبيّنا الحق في كل الأمور التي ضلّ عنها أتباع الرسالات السابقة بعد أن حرّفوا وبدّلوا وأضافوا في كتبهم ﴿مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ﴾ الكتاب هنا اسم جنس للكتب السابقة التي نزلت على الأنبياء، والمعنى أن القرآن يصدّق الصحيح مما تبقّى في كتبهم - وهو معنى قوله ﴿لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي ما بقي من الكتاب الصحيح، وليس ما أضافوه أو حرّفوه ﴿وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ لأن القرآن ختم الرسالات السابقة فأتى بشرائع وتكاليف جديدة، ونسخ من التكاليف والشرائع السابقة، انظر آية [البقرة: ٢/ ١٠٦]، وهو أيضا المعيار الذي به يعرف صدق، ما تبقى من الوحي السابق من زيفه، بعد أن اختلط كلام البشر بالكتب المنزلة ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ﴾ أي احكم في أمور العقيدة لديهم بموجب هذا المعيار - وهو القرآن - ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ﴾ التي أضلتهم، فقالوا بالتثليث، ونسبوا الألوهية إلى المسيح، أو جعلوه ابن إله ﴿عَمّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ لا تميل عما جاءك من الحق، لأنه تصحيح لانحرافاتهم.
﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً﴾ الشرعة هي ما يشرع به أو يبدأ به، والمنهاج هو الطريق الواضح السهل الموصل إلى الهدف، والمعنى أنه تعالى جعل