للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم أخذ الأسرى بعد أن كان محظورا عليهم بقوله تعالى: ﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنفال ٦٧/ ٨] لتحقق شرط الإثخان وهو الغلبة والقوة والسيادة في الأرض، أي في جزيرة العرب ﴿فَإِنْ تابُوا﴾ عن الشرك ﴿وَأَقامُوا الصَّلاةَ﴾ كما فرضها الإسلام ﴿وَآتَوُا الزَّكاةَ﴾ المفروضة للفقراء ﴿فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ اتركوا قتالهم وأطلقوا أسراهم ودعوهم أحرارا في تحركاتهم ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ لمن تاب وآمن.

هذه الآية التي يسمونها آية السيف، وقيل آية السيف هي: ﴿وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ (٣٦)، وقيل هما معا، ويزعمون أنها نسخت الكثير من آيات العفو والمسالمة والصلح وحسن معاملة الآخرين وضمان حرية الدين والإعراض عن المشركين والجاهلين، والصواب أنها لم تنسخ شيئا لأن كلام الآية مخصص عن مشركي الجاهلية في جزيرة العرب دون غيرهم، ناهيك أن مبدأ النسخ غير مقطوع به وأقرب إلى البطلان راجع شرح آية [البقرة ١٠٦/ ٢]، وأما حديث ابن عمر أن النبي قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله»، فالمقصود بالناس سكان جزيرة العرب دون غيرهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ﴾ (٣) وقصد بهم أهالي جزيرة العرب، والناس لا يقصد بهم دوما عموم البشر، كما في قوله تعالى: ﴿لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ﴾ [الأنفال ٤٨/ ٨] وقصد بهم المهاجرين والأنصار في وقعة بدر، ولأنّ من مقاصد السورة أصلا إيضاح أن تكون جزيرة العرب خالصة للإسلام والمسلمين، فمن لم يرغب من المشركين قبول الإسلام له أن يغادرها، وفي الحديث: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»، أخرجه مالك في الموطأ وأحمد في مسنده، وكان آخر ما عهد به قوله: «لا يبرك بجزيرة العرب دينان»، لأنّ الجزيرة مهد الإسلام ومصدر قوته، فيخشى من إحياء عبادات المشركين

<<  <  ج: ص:  >  >>