يمكن حملها على ظاهرها، لأنّ الله تعالى منزّه عن مشابهة المخلوقات فلا يليق به الحوار مع الملائكة كما نعرفه نحن فذلك محال عليه تعالى، ﴿إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ أي المقدّر المكتوب منذ الأزل، والخليفة من يخلف غيره ويقوم مقامه، وهو هنا من قبيل الاستعارة، فالله موجود في كل مكان، ولا حاجة لمن يخلفه، لكن المعنى أنه تعالى وكلّ الأرض للإنسان يعمل فيها بأمر ربه، فكأنه استخلفه عليها وعلى غيره من المخلوقات فيها، وقيل: إن الإنسان خليفة لمن سكن الأرض قبله،
روى ابن بابويه في كتاب التوحيد عن النبي ﷺ أنه قال:«لعلّك ترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم، بلى والله لقد خلق ألف ألف آدم أو أكثر أنتم في آخر أولئك الآدميين»، وفي كتب الشيعة عن محمد بن علي الباقر ﵇ أنه قال: قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم أو أكثر، نقله الرازي في تفسير آية [الحجر ١٥/ ٢٦].
﴿قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ﴾ فهمت الملائكة من كلمة ﴿خَلِيفَةً﴾ أن سوف تكون على الأرض سلالة تتمتع ببعض السلطة والحرية، فلم تستوعب كيف يمكن لسلالة الخلق التي تتمتع بالسلطة مع حرية التصرف والاختيار، بالإضافة لتمتعها بالعاطفة التي يمكن أن تسمو بها، أو أن تهبط بها إلى الحضيض، كيف يمكن لهذه السلالة أن تنضبط وفق النظام الكوني العام المبني على الكمال وعلى الطاعة المطلقة لإرادة الخالق، وكيف يمكن أن تنضبط دون إفساد وسفك للدماء، وإن كان المفهوم من الخليفة أنه يخلف صنفا بائدا من الخلق سبق أن أفسد في الأرض وسفك الدماء، فتكون الملائكة قد استنبطت سؤالها بالمقارنة ما سبق، والنتيجة أن حكمته تعالى في خلقه تخفى أسرارها على كافة مخلوقاته، لا يستثنى منهم الملائكة، وقد يكون أن الملائكة أرادت أن تعلم ما أعدّه تعالى لصون الإنسان عن الفساد وسفك الدماء.