مقاتلا، ولم يكن مستعدا للقتال، فقد اتجه غربا عند وصوله بئر عسفان ونزل في سهل الحديبية حيث أمضى فيه بضعة أيام مع أصحابه بدأت خلالها المفاوضات بينه وبين المشركين، ثم بعث النبي عثمان بن عفان مندوبا إلى مكة للتفاوض مع زعمائها، وبعد وصول عثمان إلى مكة انتشرت الشائعات في الحديبية بأنه قتل، مما جعل النبي ﷺ يتوقع هجوما غادرا عليه من المشركين فجمع أصحابه واستشارهم فبايعوه على الثبات والقتال معه حتى الموت في حال هاجمهم المشركون (الآية ١٨) وهي البيعة التي سميت بيعة الرضوان، وبعد أيام تبين زيف الشائعات وعاد عثمان سالما كما تبين أن كفار قريش على استعداد لعقد هدنة مع النبي وبالفعل تم توقيع هدنة مدتها عشر سنوات، من شروطها أن يرجع النبي وصحبه إلى المدينة هذا العام على أن يعودوا لأداء العمرة العام القادم، كما وافق النبي في المعاهدة أنه في حال هروب بعض أغرار وموالي المشركين من مكة إلى المدينة فإن الرسول يعيدهم إلى مكة، في حين لا يلتزم المشركون بإعادة من يهرب إليهم من المسلمين، وقد بدت المعاهدة في ظاهرها مجحفة بحق المسلمين غير أن الأحداث برهنت بعد ذلك أن صلح الحديبية كان ذا أهمية ايجابية كبرى في تاريخ الإسلام وفي انتشاره في جزيرة العرب إذ ترتب على الهدنة أن يختلط المشركون مع المسلمين في مكة والمدينة ويدخل الألوف منهم في الإسلام بعد اقتناعهم بالحجة والبرهان، حتى أنه عندما نقضت قريش صلح الحديبية بعد عامين من إبرامه تمكن الرسول وصحبه من فتح مكة دون قتال، وهكذا كان صلح الحديبية بداية ظفر الإسلام السياسي والمعنوي في جزيرة العرب.
والجمهور على أن سورة الفتح نزلت بعد صلح الحديبية (ذي القعدة عام ٦ للهجرة) خلال عودة الرسول ﷺ من الحديبية إلى المدينة.