١٧٧ - ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ المعنى أنّ مجرّد التقيد بالشكليات والمظاهر الخارجية لا يكفي للتقوى، والإشارة للآية (١٤٢) التي تتضمن اعتراض السفهاء على التوجه إلى المسجد الحرام في الصلاة، لأنّ البرّ هو ما ثبت في القلوب من الإيمان وما يظهر من أثره في النفوس من العمل وليس البرّ مجرّد الصلاة من دون عمل ﴿وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ذكر الإيمان باليوم الآخر بعد الإيمان بالله، لأن الإيمان باليوم الآخر يقتضي اليقين بتحقق العدالة في كل الأمور، وأن الحياة الآخرة ليست سوى استمرار للحياة الدنيا بشكل آخر، أو هي مرحلة مترتبة عليها ﴿وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ﴾ المراد بالكتاب اسم جنس وهو كل ما نزل من الوحي على الأنبياء، وذكر الملائكة لأنها متضمنة في الإيمان بالغيب الذي لا يدركه البشر بحواسّهم ﴿وَالنَّبِيِّينَ﴾ بلا تفريق بينهم ﴿وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ﴾ أي رغم حبّه للمال، أو لأجل حبّ الله، والمقصود بإيتاء المال غير الزكاة، لأنّ الزكاة وردت مستقلة في تتمة الآية، أخرج الترمذي والدارمي عن فاطمة بنت قيس أنها سمعت النبي ﷺ يقول:«إنّ في المال حقّا سوى الزكاة» ثم تلا هذه الآية، وقد أجمعت الأمة أنه عند الضرورة ينفق المرء من ماله ما يدفع الضرر وإن كان أدّى الزكاة بكاملها (الرازي)، ﴿ذَوِي الْقُرْبى﴾ ذوو القربى أحق الناس بالنفقة والبر وصلة الرحم ﴿وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ﴾ والمساكين أي أهل السكون من الفقراء قعد بهم العجز عن كسب قوتهم فسكنت نفوسهم على ما هم عليه، لأنّ نفوسهم تأبى الاستجداء ﴿وَاِبْنَ السَّبِيلِ﴾ المسافر الذي انقطعت به سبل العيش بسبب ظروفه، واللاجئين، ومن في المنفى ﴿وَالسّائِلِينَ﴾ الذين تدفعهم الحاجة للسؤال ﴿وَفِي الرِّقابِ﴾ العتق من العبودية، لأن التخلص من الرق هو أحد الأهداف الاجتماعية في الإسلام، وكان يستحيل إلغاء الرق بصورة فورية وقت نزول القرآن لما يسببه من خلل في النظام الاقتصادي الشائع آنذاك ولذا هدف الإسلام