للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدما أصبح للمجتمع الإسلامي في المدينة كيانا خاصا، وبما أن الحفاظ على حياة الإنسان هي أهم مشكلة تواجه أي مجتمع فقد لزم أن ينزل التشريع بذلك أولا،

قال الرازي إن كلمة القصاص في اللغة تعني «التسوية»، فالقصاص عبارة عن تسوية، وقيل أيضا إن معنى القصاص هو مقاصّة ديّات بعض القتلى بديّات بعضهم الآخر، وقال عدنان الرفاعي بل هو قصّ أثر المجرم والقصاص منه دون غيره، فالآية تحدد بوضوح أن القصاص يجب أن يكون من القاتل فقط، وتنهى عن تجاوزه إلى غيره ممّن لم يقتل، لأنهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ولا يزالون حتى في العصر الحاضر على العديد من المستويات، فكانوا في الجاهلية إذا قتل عبد من قبيلة سيدا من قبيلة أخرى لم يكن دم العبد كفؤا لدم السيد القتيل، فلا يكتفون بقتل العبد بل يقتلون أسيادا من قبيلة العبد ممّن لا علاقة لهم بالجريمة، وبالعكس إذا كان القتيل عبدا والقاتل سيدا فيقولون إن دم العبد أقل من دم السيد فلا يجوز قتل السيّد، لذا نصّت الآية أنّ: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى﴾ الإعجاز في الآية واضح، فقد ضربت مثلا بهذه الحالات الثلاثة: الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، لبيان مبدأ عدم التجاوز في القتل إلى غير القاتل، أي لا يقتل بالقتيل غير قاتله، مهما كانت المرتبة الاجتماعية لأيّ منهما، ولم تتطرق الآية إلى حالات أخرى مثل أن يقتل العبد حرّا أو العكس، أو أن يقتل رجل امرأة أو العكس، فيكون معنى الآية كما يلي: إذا ارتكب الحرّ جريمة قتل فيطبق عليه القصاص، وإذا ارتكب الجريمة عبد فيطبّق عليه القصاص … إلخ، أي يجب تطبيق القصاص على القاتل فقط، بغضّ النظر عن شخصيته ومركزه الاجتماعي، ولا يشترط أن يكون القصاص قتلا، وإنّما يتوقف على ظروف جريمة القتل إن كان قتل عمد، أو دفاع عن النفس، أو قتل خطأ .. الخ، ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ الإشارة في ضمير

<<  <  ج: ص:  >  >>