مرحلة من مراحلها، وكان الوحي يبيّن للنبيّ ﷺ عند نزول كل آية موضعها الصحيح من السورة الخاصة بها، كما كان يبيّن له ترتيب السور على النحو الذي نعرفه اليوم مما لا يطابق الترتيب الزمني للنزول، وبالتأكيد فإنّ ذلك لم يكن اعتباطا، لأن القرآن لم ينزل فقط كي يوافق المتطلبات المرحلية للبعثة النبوية وحدها، وإنما نزل كي يلائم كل العصور والأمم وليس لوقت أو أمة بعينها، ومن هنا نفهم قوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً﴾ [الإسراء ١٠٦/ ١٧]، مما يدل أن ترتيب الآيات والسور في المصحف ذو مغزى لا يمكن التغاضي عنه في تفسير القرآن الكريم، وقد أقر غالبية الفقهاء بإعجاز القرآن من هذه الزاوية، لكنهم لم يتجاوزوا هذا الإقرار إلى الاستفادة منه في التفسير، بل إن غالبية المفسرين لم يركزوا على هذه النقطة.
الوجه الثاني من هذا الإعجاز المذهل أن النبي الذي لم يكن يمتلك أي وسيلة من وسائل التحرير والتعديل والتنقيح، ولا أدنى وسيلة من وسائل التقانة المتاحة اليوم في هذا المضمار، وعلى مدى ثلاثة وعشرين عاما من بعثته، ما يجعل من المستحيل أن يستطيع من تلقاء نفسه ترتيب القرآن على النحو المحكم الذي نعرفه، والمغاير لترتيب النزول الزمني، وبحيث يكون القرآن مناسبا لكل العصور، ممّا يدل على أن ترتيب المصحف الذي نعرفه توقيفي من الله تعالى.
فهنالك إذن نقطتان لا يمكن التغاضي عنهما:
الأولى أن تعريف السورة بهذه الكلمة:(سورة) يعني أنها بمثابة سور يحيط بموضوع معين أو مواضيع مترابطة، وبمعنى أن كل سورة ذات محور يدور حوله موضوعها أو مواضيعها، ولولا ذلك لما كان هنا لك مبرر لتقسيم القرآن إلى سور، ولكان كله سورة واحدة من أوله إلى آخره، ولا بد لكل قارئ للقرآن أن يلاحظ أن لكل سورة قرآنية شخصيتها المختلفة عن الأخرى، وهذا الأمر يبدو شديد الوضوح عندما ينتهي المرء من قراءة إحدى السور وينتقل إلى