للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانحلّت مقاييسهم الأخلاقية، ومعاملاتهم اليومية، وخاصة مع غير اليهود، الأغيار حسب قولهم، لأن كتبهم «المقدسة» التي حرّرها الأحبار تحضّ على خداع الأغيار والغدر بهم، واعتبارهم بمنزلة الحيوانات، فطغى عليهم شعور العرق المتفوق، وصاروا على درجة من التمسك الشديد بضلالهم حتى صاروا يقاومون كل من يحاول إصلاحهم ويعتبرونه عدوّا لهم، والنتيجة أنهم حوّلوا دينهم إلى جنسية عنصرية عصبيّة لا غير، فلمّا وصل النبي إلى المدينة نزل الوحي بسورة البقرة خلال العامين الأولين بعد الهجرة متضمنا دعوة اليهود للعودة إلى دينهم الأصلي الذي هو دين الأنبياء جميعا، وانتقدت السورة تاريخ اليهود الحافل بالجرائم، ومعاندتهم موسى، وقتلهم الأنبياء، وغرورهم في الدين، وضلالهم عن دين أنبيائهم، كما انتقدت حاضرهم المتمثّل بالتفسخ الأخلاقي والديني، وبيّنت أن العبرة ليست بالشكليات ولكن بالممارسة الصحيحة والإيمان الفعلي، (الآيات ٤٠ - ١٤١).

ومن جهة ثانية كان وصول النبي إلى المدينة بداية لمرحلة جديدة تعتبر نواة تأسيس المجتمع الإسلامي الجديد والدولة الإسلامية، فنزل الوحي متضمنا أسس التشريع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني، (الآيات ١٥٣ - ٢٨١).

ومن جهة ثالثة واجه المسلمون بعد الهجرة صعوبات من نوع جديد، لم يعرفوها من قبل في مكة، منشؤها النفاق والمنافقين، فقد دخل بعض الناس الإسلام لمحاولة تخريبه من الداخل، ودخل بعضهم الإسلام للاستفادة من السيطرة السياسية الجديدة للمسلمين، وفي نفس الوقت حافظ المنافقون على علاقاتهم مع الكفار تحسّبا واحتياطا لتغيّر الظروف حسب زعمهم، وآخرون من الناس دخلوا الإسلام دون أن تكون لديهم الشجاعة الكافية والعزم على التضحية في سبيله، (الآيات ٨ - ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>