وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له"، ونقل عن الشيخ أبي الحسن الشهرباني قوله: "أوّل من أظهر ببغداد علم المناسبة ولم نكن سمعناه من غيره هو الشيخ الإمام أبو بكر النيسابوري (المتوفّى ٣٢٤ هج ٩٣٦ / م) وكان غزير العلم في الشريعة والأدب، وكان يقول إذا قريء عليه: لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة" انتهى.
وقد بذل محاولة متكاملة في هذا الصدد الإمام برهان الدين إبراهيم ابن عمر البقاعي (المتوفّى ٨٨٥ هج ١٤٨٠ / م) في تفسيره الذي سمّاه: (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) وذكر في مقدمته: "هذا كتاب عجاب، رفيع الجناب، في فنّ ما رأيت من سبقني إليه" فلم يخل من التصنّع والتكلّف،
ومن جهة أخرى لا بد أن يلاحظ المرء أن القرآن الكريم قد لا يستنفد موضوعا من المواضيع في مكان واحد أو في سورة واحدة، بل يعود إليه في أكثر من سورة بما قد يعطي الانطباع أن هنالك تكرارا في المواضيع، غير أن التمعن في ذلك يبين أن الموضوع يتم بحثه في كل مرة من زاوية مختلفة عن الأخرى أو متممة لها وبما قد يتناسب مع محور السورة موضوع البحث، وهو ما يشير إليه القرآن الكريم بتصريف الآيات كما في قوله تعالى: ﴿اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ [الأنعام / ٦٤٦]، وقوله تعالى: ﴿اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ [الأنعام / ٦٥٦]، وقوله تعالى: ﴿وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام / ١٠٥٦]، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ نُفُوراً﴾ [الإسراء / ٤١١٧]، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً﴾ [الإسراء / ٨٩١٧]، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنّاسِ مِنْ