١٨/ ١]، لأنّ التنزيل والإنزال فيهما إشعار بعلو مرتبة الوحي على الموحى إليه ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي متضمّنا الحقيقة ومبيّنا لها، وأيضا فيه ما يحقّق أنّه من عند الله تعالى:
﴿مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ليس المعنى تصديق الكتب الموجودة لدى اليهود والنصارى بعينها، فقد تعرّضت على مرّ العصور لكثير من التحريف والتغيير، وإنّما هو تصديق لما بقي في تلك الكتب من الحقيقة وهو معنى قوله ﴿لِما بَيْنَ يَدَيْهِ،﴾ ومثال ذلك أنّ تصديقنا للنبي ﷺ في كل ما قاله لا يستلزم تصديق كل ما نسب إليه في كتب الحديث، بل ما ثبت منها فقط ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ التوراة في عرف القرآن هي الوحي الذي نزل على موسى ﵇، انظر شرح آية [المائدة: ٥/ ١٣]، والإنجيل هو الوحي الذي نزل على عيسى المسيح ﵇، انظر شرح آيات [المائدة: ٥/ ١٤، ٤٧]، أما كتبهم المقدّسة اليوم فليس بها من التوراة والإنجيل إلاّ القليل، لأنّ أصلها ضاع منذ القدم وأعيدت كتابتها من قبل المؤلّفين حتى صارت كتب اليهود، المسماة بالعهد القديم، تشتمل على تأريخ قومي للأحداث التي حصلت بعد موسى بزمن طويل، وهي إلى ذلك غاصة بمعتقدات وتشريعات باطلة ابتدعها أحبارهم.
أما الكتب المسيحية، المسماة بالعهد الجديد، فليست سوى كتابات نسبوها لبعض الحواريين، يفترض أنها تؤرخ سيرة حياة المسيح ﵇، وقد كتبت باللغة اليونانية بعد الأحداث بزمن، ولم تكن تعتبر كتابات مقدسة في وقتها، وقد تكررت تراجم العهدين القديم والجديد وتنقيحهما مرارا، وعلى سبيل المثال فإنّ الطبعة الإنكليزية المعتمدة جرى تنقيحها وإعادة كتابتها ثماني مرات على الأقل منذ أول ترجمة لها في العام ١٥٣٦ حتى ١٩٩٣، وقد ورد في مقدّمة الطبعة المنقحة المعتمدة التي صدرت عام ١٩٥٢ أن سابقتها وهي طبعة الملك جيمس المعتمدة «اشتملت على أخطاء جسيمة وأن الأخطاء كانت من الكثرة بحيث لزم تعديلها»، كما ورد في طبعة العلماء Scholar's Version التي صدرت في أمريكا عام ١٩٩٣ م وشارك في إعدادها أكثر من مئتين من علماء