للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَبَيْنَكُمْ﴾ الكلمة تطلق على الجملة المفيدة، والسواء هو العدل، أي لنتفق على مبدأ عادل ﴿أَلاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً﴾ المطلوب هو الإقرار بوحدانية الألوهية وأن السلطة الغيبية لله وحده لا شريك له ﴿وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ﴾ الربّ من أسماء الله تعالى، ولا يقال في غيره إلاّ بالإضافة، وهو هنا بمعنى من له حق التشريع والتحليل والتحريم، فاليهود رغم أنهم موحّدون إلاّ أنهم يتّبعون أحبارهم فيما يبتكرون من أحكام وتشريعات من عندهم فيجعلونها بمنزلة الوحي،

والآية تشير أوّلا: إلى ربوبية أحبارهم وكهنتهم من هذا المنطلق، وثانيا: فقد جرى النصارى أيضا على هذا المنوال وزادوا عليه ما ابتكروه من تأليه المسيح والروح القدس والتثليث وتسمية المسيح ابن الله، وإطلاق لقب «والدة الإله» على السيدة مريم، وابتكار فكرة الخطيئة الأصلية، وغفران الخطايا، كل ذلك بموجب القرارات التي أصدرتها المجامع المسكونية، وجعلوا لهذه القرارات مرتبة الوحي المنزل.

وكان قد عقد أول مجمع مسكوني عام ٣٢٥ م في نيقية في آسية الصغرى برعاية امبراطور بيزنطة قسطنطين الأول حيث أقرّ مبدأ التثليث وألوهية المسيح بمرسوم أمبراطوري وبحضور ٣١٨ فقط من أصل ١٨٠٠ من رجال الدين في الأمبراطورية، والباقون ممّن لم يسمح لهم بالحضور كانوا من أتباع أريوس وهم المعارضون لهذه الأفكار والمصرّون على التوحيد وعلى الاعتقاد أن عيسى مجرّد بشر، وبعد هذا المؤتمر تعرّض الأريسيّون - نسبة إلى أريوس - إلى اضطهادات مريرة على أيدي الجيوش الرومانية فأحرقت كتبهم وكنائسهم وقد استغرق استئصال شأفتهم من أنحاء الامبراطورية حوالي ثلاثة قرون، والجدير بالذكر أنّ أريوس وأتباعه هم المشار لهم في رسالة النبي إلى هرقل امبراطور الروم حين دعاه إلى الإسلام فكتب له: «أسلم تسلم وإن أبيت فإنّما عليك إثم الأريسيين»،

<<  <  ج: ص:  >  >>