للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَإِذْ غَدَوْتَ﴾ أيها النبي ﴿مِنْ أَهْلِكَ﴾ بالمدينة، وذلك بعد أن نزل المشركون في أحد يوم الأربعاء ١٢ شوال من السنة الثالثة للهجرة في ثلاثة آلاف رجل من مقاتليهم، من ضمنهم مائتي فارس، يريدون الانتقام لهزيمتهم في بدر بالعام الفائت، فكان رأي النبي أن يتحصن وأصحابه في المدينة فيدافعوا عنها، اتباعا منه لقاعدة ارتكاب أخف الضررين، وأبعدهما عن العدوان، ورحمة بالناس، وإيثارا للسلام، خاصة لتفوق قوة المشركين في الفرسان والعدد، فقد كانت حروبه كلها دفاعية، واستشار أصحابه في ذلك فوافقه جمع من أكابر المهاجرين والأنصار وعبد الله بن أبيّ بن سلول، ولكن أكثر الناس ممّن فاتتهم وقعة بدر وغيرهم رأوا الخروج إلى المشركين وقتالهم في أحد، وألحوّا على النبي في ذلك حتى وافقهم على مضض فدخل منزله ولبس لأمته - وهي الدرع - بعد صلاة الجمعة، وكان قد أوصاهم في الخطبة، ووعدهم أن النصر لهم ما صبروا، ثم خرج عليهم فرآهم وقد ندم بعضهم، وقالوا: لعلّنا استكرهنا رسول الله على الخروج، فقالوا له: إن شئت أن نمكث، فقال: ما كان لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل، أي لما في فسخ العزيمة بعد إحكامها من الضعف، وبداية الفشل، وسوء الأسوة، وكان النبي قد عمل برأي الجمهور من أصحابه تثبيتا لقاعدة الشورى المذكورة بقوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى ٤٢/ ٣٨]، ثم إنه خرج بهم بعد صلاة الجمعة، وأصبح في الوادي بأحد يوم السبت منتصف شوال ﴿تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ﴾ التبوئة هي اتخاذ الموضع، والمعنى أنه كان يحدد للمؤمنين أماكنهم للمعركة، ويهيئ صفوفهم، بحيث جعل ظهورهم لجبل أحد، ووضع الرماة خلفهم على المرتفع، وقال لهم: «لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنّا لن نزل غالبين ما ثبتّم مكانكم»، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير ﴿وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ سميع لدعائكم وعليم بنيّاتكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>