٥ - ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾ أي الأصل في الأمور الحلّ، وكلّ ما نصّ القرآن على تحريمه لا يندرج تحت صنف الطيبات ﴿وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ المحصنات بمعنى العفيفات منهنّ، راجع شرح آية [النساء: ٤/ ٢٥]، وقد ورد في تفسير المنار أنّ الحكمة في تحليل مؤاكلة أهل الكتاب وتحليل الزواج من نسائهم هي تألف قلوبهم ولتعريفهم بحقيقة الإسلام فيكون ذلك سببا في انتشاره بين أهل المرأة، أما من يتزوج الكتابية وهو يرى نفسه دونها ويحرص على تقليد قومها من النصارى، ويسمح لها بتنصير أولاده، فليس له من الإسلام إلا الجنسية، ويكون قد خالف الغرض الذي هدف إليه الشارع من تحليل نكاح الكتابيات، وقد حذّر الشيخ محمد رشيد رضا من التزوج بالكتابية إذا خاف الرجل أن تجذبه المرأة إلى دينها بسبب علمها وجمالها، أو بسبب جهله وضعف أخلاقه.
وأما مؤاكلة أهل الكتاب فهي بالطبع لا تشمل أكل المحرمات المذكورة في الآية (٣)، علما أن هذه المحرّمات محرّمة أيضا في الشريعة الموسوية، وأن بعثة عيسى المسيح لم تنقض شريعة موسى ﵉، ولم تغير منها شيئا لقول المسيح ﵇ أنه لم يأت لنقض الشريعة بل لإكمالها (سفر متّى ٥/ ١٧)، ولا يوجد في الأسفار المسيحية ما يدلّ أن المسيح ألغى تلك المحرّمات.
وأما الحكمة من السماح للمسلم بتزوج الكتابية في الوقت الذي تمنع المسلمة من التزوج بالكتابي فلأن المسلم يؤمن بجميع الأنبياء والرسل في حين أن النصارى لا يؤمنون بمحمد، واليهود لا يؤمنون بمحمد وعيسى معا، ففي بيت الزوجية يكون احترام جميع الأنبياء مؤكدا إذا كان الزوج مسلما، وفي ذلك ضمان لتماسك الزواج واحترام شعور المرأة، وليست الحال كذلك إذا كان الزوج غير مسلم ﴿إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أي مهورهنّ، وهو شرط وجوب