٢) وهي أيضا محرمة عليهم، في زمن موسى، أربعين سنة إذا تم الوقف بعد كلمة ﴿سَنَةً﴾ ﴿فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ﴾ أي لا تحزن يا موسى على هؤلاء العصاة.
وفي تفسير المنار أن الشعوب التي تنشأ في الاستبداد وتساس بالظلم والاضطهاد، تفسد أخلاقها وتذل نفوسها ويذهب بأسها وتألف الخضوع وتأنس بالمهانة والخنوع، وإذا طال عليها أمد الظلم تصير هذه الأخلاق مكتسبة موروثة حتى تصبح كالغرائز الفطرية والطبائع الخلقية، فإذا أخرج صاحبها من بيئته وجدته ينزع بطبعه إليها، وقد أفسد ظلم الفراعنة في مصر فطرة بني إسرائيل وطبعهم بالذل والمهانة، حتى بعث تعالى موسى فيهم وأراهم الكثير من المعجزات والآيات الدالة على وحدانيته وقدرته وعلى صدق نبوة موسى، وأخرجهم من الذل والعبودية في مصر إلى الحرية والاستقلال والنعيم، ومع كل ذلك كانوا يتململون من موسى ويتطيرون منه ويعصونه ويذكّرونه بمصر، ويلومونه لأنه أخرجهم منها ويحنّون إلى العودة إليها رغم ما فيها من العبودية، انظر آية [البقرة: ٢/ ٦١]، ولما غاب موسى عنهم أياما لمناجاة ربه، اتخذوا عجلا لهم من حليّهم وعبدوه لما رسخ في نفوسهم من إكبار سادتهم المصريين، وإعظام معبودهم العجل، وقد سبق علمه تعالى أنّ نفوسهم الذليلة لا تطيعهم على دخول أرض الجبّارين، وأن الوعد الذي أعطاه لأجدادهم إنما يتم وفق سننه في طبيعة المجتمع البشري، فلزم أن يهلك ذلك الجيل الذي نشأ في العبودية والوثنية، وينشأ بعده جيل جديد في حرية البداوة وعدل الشريعة ونور الآيات الإلهية، وما كان تعالى ليهلك قوما بذنوبهم حتى يبيّن لهم حجته عليهم ليعلموا أنهم أنفسهم يظلمون، انظر آيات [هود: ١١/ ١١٧] و [الأنعام: ٦/ ١٣١]، وقد أمرهم تعالى دخول الأرض المقدسة بعد أن أراهم عجائب تأييده، فأبوا واستكبروا وجبنوا فأخذهم بذنوبهم، وأنشأ من بعدهم قوما آخرين.