بما يضمن الحد الأدنى من رفاهية الحياة التي من دونها لا يمكن أن يكون هنالك كرامة، ولا حرية فكر، ولا حرية اختيار للمرء، ومن الواضح استحالة وجود مجتمع فاضل ومتناسق وقوي ما دام بعض أفراده محرومين، في حين يتمتع بعضهم الآخر بما يفوق حاجاتهم بكثير، فعندما تكون موارد المجتمع موزّعة على الناس بصورة شاذة بحيث يعيش البعض في تبذير وبحبوحة فاحشة، ويعيش الباقون في ضيق وضنك، ولا يجدون فرصا للعمل، فعندئذ يكون المجتمع بأكمله في خطر، وقد يختل الأمن، وقد يدفع الوضع بالمجتمع إلى أحضان المادية الملحدة، وفي الحديث:«كاد الفقر أن يكون كفرا»، ففي حال ضمن المجتمع الإسلامي العدالة الاقتصادية - الاجتماعية لجميع الناس، ووفّر الحماية والأمن لهم، فعندئذ لا يمكن التساهل مع السارق لأن ضرره لا يقتصر على أفراد محدودين، وإنما يتعداه إلى المجتمع بأكمله.
ولو أهمل المجتمع حقوق الأفراد لأصبح الإغراء على السرقة لدى بعض المحرومين لا يقاوم، بسبب الحاجة والفقر المدقع، وعندئذ يمتنع تطبيق حد السرقة حسب النص، لأن المجتمع يجب أن يقوم بواجباته تجاه الأفراد أولا، حتى يمكن بالمقابل تطبيق الحدّ المنصوص على السارق، وفي حال تقصير المجتمع يجب الاكتفاء بعقوبات على السرقة أخف من نصّ الآية، ولعل هذا هو السبب أنّ عمر بن الخطاب ﵁ أوقف حد السرقة في عام المجاعة، لأن الدولة عجزت عن تأمين أسباب العيش الكريم للجميع، ومن العجيب الطريف في هذا العصر أن بعض الدول الإسلامية تظن أن تطبيق الشريعة الإسلامية يبدأ بتطبيق الحدود، في حين أن تطبيقها لا يتأتّى إلا بعد ضمان رفاهية العيش أولا، وفي جميع الأحوال فقد اشترطوا عدة شروط في قطع اليد، منها أن يكون الشيء المسروق في الحرز، أي لا يكون معرّضا، كما اشترطوا حدّا أدنى للقيمة المسروقة وإن اختلفوا فيها، كما اتفقوا أن لا قطع في سرقة الطعام.