للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضطهدين من قبل الناس؟ وهذا القول يعبّر عن عقلية منتشرة لدى الكثير من الناس في كلّ العصور ممّن يظنون أن الغنى الدنيوي دليل على كون صاحبه على الطريق الصحيح، وهذا الاعتقاد تنفيه الآية في تتمة الخطاب ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا﴾ وهو دعاء على اليهود تحقّق فيهم، لأنهم أكثر أقوام الدنيا حبّا للمادة وتهالكا على تحصيلها، بشتى الوسائل غير الشرعية، ليس أقلها الربا الفاحش والفساد والإفساد ﴿بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ﴾ اليدان تعبير مجازي عن السلطة والغنى، والمعنى أن إغداق المال على الأفراد أو المجتمعات، في وقت من الأوقات، لا يفيد بالضرورة كونهم على الصراط المستقيم، أو أنهم مؤيّدون من الله ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً﴾ اليهود ازدادوا طغيانا وكفرا بسبب نزول الوحي على النبي ، لأنهم كانوا - وما زالوا - يظنّون أن النبوات يجب أن تكون محصورة فيهم، وأن النبي الموعود يجب أن يكون من بني إسحاق وليس من بني إسماعيل، انظر آية [البقرة: ٢/ ١٠٥]، فكانت محاربتهم النبي من قبيل الحسد والعصبية وخوف زوال امتياز الزعامة الذي كان لهم بين عرب الحجاز الذين كانوا ينظرون إليهم على أنهم أهل كتاب وعلم.

﴿وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ بعث عيسى المسيح إلى بني إسرائيل فرفضه أكثرهم، وتبعته أقلية منهم، فالعداوة والبغضاء هي بين اليهود وبين الذين اتبعوا عيسى، وقد تكون أيضا العداوة والبغضاء بينهم وبين باقي الناس ﴿كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ﴾ ونظيره قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا﴾ [الإسراء: ١٧/ ٨]، والخطاب عن اليهود، دأبوا على محاربة الرسل عبر تاريخهم، انظر شرح آية [آل عمران: ٣/ ٢١]، فقد عاندوا موسى وعصوه وعبدوا العجل، ثمّ عصوا من جاء بعده من أنبياء بني إسرائيل وحاربوهم، ثم كفروا ببعثة عيسى المسيح وحاولوا قتله، وأخيرا كفروا ببعثة خاتم الأنبياء والرسل محمد وتآمروا عليه وحاربوه،

<<  <  ج: ص:  >  >>