وفي اللغة الآرامية الصابغون، وهم طائفة موحّدة بين اليهود والنصارى اشتق اسمهم من الكلمة الآرامية: صبغة، لأنهم كانوا يعمّدون أي يصبغون المعتنق الجديد لدينهم في نهر الأردن، فصاروا يدعون الصابغة، وهذا شبيه بقوله تعالى:
﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ﴾ [البقرة: ٢/ ١٣٨]، وكانت العرب في إحدى لهجاتها تلفظ الغين همزة فصارت الصابئة، وهم أتباع يحيى ﵇(انظر عبد الأحد داود)، ويجب عدم الخلط بينهم وبين صابئة حرّان الذين انتحلوا الاسم لأنفسهم للاستفادة من تسامح الدولة الإسلامية مع أهل الكتاب ومع طوائف الموحّدين، وقد ذكر تعالى الصابئين قبل النصارى لأن بعثة يحيى سبقت بعثة عيسى ﵉(والنّصارى) اشتق اسمهم من النصرة، لأنهم نصروا عيسى ﵇، كما في قوله تعالى على لسان عيسى ﴿قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ﴾ [آل عمران: ٣/ ٥٢].
﴿مَنْ آمَنَ بِاللهِ﴾ وحده لا شريك له ﴿وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ آمن بالبعث والحساب ﴿وَعَمِلَ صالِحاً﴾ اقترن إيمانه بالعمل الصالح ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ يجب قراءة هذه الآية ضمن سياقها، فالآية التي قبلها تؤكد أن أهل الكتاب ليسوا على شيء من الحق ما لم يقيموا التوراة والإنجيل - على وجههما الصحيح - وما أنزل إليهم من ربهم وهو القرآن، والآيات التي بعدها تبيّن إصرار اليهود على المعصية وتقرر كفر من ألّهوا المسيح واعتنقوا التثليث، فهذه الآية تستثني من أهل الكتاب من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا، لأن كل إنسان يحاسب بعمله، ولا يسأل عن غيره، والواضح أن هذه الآية لا تهدف إلى تفصيل جميع أسس الإيمان والعبادات فذلك مفصّل في آيات أخرى من القرآن الكريم.
وقد تكرر ورود هذا المعنى في آية [البقرة: ٢/ ٦٢]، غير أنه في هذه الآية وردت كلمة ﴿وَالصّابِئُونَ﴾ بالرفع، ومن وجوه إعرابها أنها مبتدأ خبره محذوف، وتقدير الكلام - والصابئون كذلك -.